تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠١
دلالة على أنهم لم يزالوا داعين إلى أن تحقق الموعود من إهلاك الظالمين، وذلك لأن * (لنهلكن) * وعد وإنما حقيقة الإجابة حين الإهلاك، وليس من تفويض الترتب إلى ذهن السامع في شيء ولا ذلك من مقامه كما توهم. وقال ابن زيد: الضمير للكفار والعطف حينئذ على * (قال الذين كفروا) * أي قالوا ذلك واستفتحوا على نحو ما قال قريش: * (عجل لنا قطنا) * وكأنهم لما قوى تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة ظنوا أن ما قيل لهم باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح: * (فأتنا بما تعدنا) * (الأعراف: 70) وقوم شعيب * (فأسقط علينا كسفا) * (الشعراء: 187) إلى غير ذلك، وقيل: الضمير للرسل عليهم السلام ومكذبيهم لأنهم كانوا كلهم سألوا الله تعالى أن ينصر المحق ويهلك المبطل، وجعل بعضهم العطف على * (أوحي) * على هذا أيضا بل ظاهر كلام بعض أن العطف عليه على القراءة المشهورة مطلقا، وسيأتي إن شاء الله تعالى احتمال آخر في الضمير ذكره الزمخشري. * (وخاب) * أي خسر وهلك * (كل جبار) * متكبر عن عبادة الله تعالى وطاعته، وقال الراغب: الجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، ولا يقال إلا على طريق الذم * (عنيد) * معاند للحق مباه بما عنده، وجاء فعيل بمعنى مفاعل كثيرا كخليط بمعنى مخالط ورضيع بمعنى مراضع، وذكر أبو عبيدة أن اشتقاق ذلك من العند وهو الناحية، ولذا قال مجاهد: العنيد مجانب الحق، قيل: والوصف الأول: إشارة إلى ذمه باعتبار الخلق النفساني والثاني: إلى ذمه باعتبار الأثر الصادر عن ذلك الخلق وهو كونه مجانبا منحرفا عن الحق، وفي الكلام إيجاز الحذف بحذف الفاء الفصيحة والمنعطوف عليه أي استفتحوا ففتح لهم وظفروا بما سألوا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم المعاندون؛ فالخيبة بمعنى مطلق الحرمان دون الحرمان عن المطلوب أو ذلك باعتبار أنهم كانوا يزعمون أنهم على الحق، هذا إذا كان ضمير * (استفتحوا) * للرسل عليهم السلام، وأما إذا كان للكفار فالعطف كما في " البحر " على * (استفتحوا) * أي استفتح الكفار على الرسل عليهم السلام وخابوا ولم يفلحوا، وإنما وضع * (كل جبار عنيد) * موضع ضميرهم ذما لهم وتسجيلا عليهم بالتجبر والعناد لا أن بعضهم ليسوا كذلك ولم تصبهم الخيبة، ويقدر إذا كان الضمير للرسل عليهم السلام وللكفرة استفتحوا جميعا فنصر الرسل وخاب كل عات متمرد، والخبة على الوجهين بمعنى الحرمان غب الطلب، وفي إسناد الخيبة إلى كل منهم ما لا يخفى من المبالغة.
* (من ورآئه جهنم ويسقى من مآء صديد) * .
* (من ورائه جهنم) * أي من قدامه وبين يديه كما قال الزجاج. والطبري. وقطرب. وجماعة، وعلى ذلك قوله: أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا نحنيي عليها الأصابع ومعنى كونها قدامه أنه مرصد لها واقف على شفيرها ومبعوث إليها، وقيل: المراد من خلف حياته وبعدها، ومن ذلك.
قوله: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب وإليه ذهب ابن الأنباري، واستعمال * (وراء) * في هذا وذاك بناء على أنها من الأضداد عند أبي عبيدة
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»