تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩١
لأزيدنكم في الثواب، وعن الحسن. وسفيان الثوري أن المعنى لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من طاعتي، والكل خلاف الظاهر. وذكر الإمام أن حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه، وبيان زيادة النعم به أن النعم منها روحانية ومنها جسمانية والشاكر يكون أبدا في مطالعة أقسام نعم الله تعالى وأنواع فضله وكرمه وذلك يوجب تأكد محبة الله تعالى المحسن عليه بذلك ومقام المحبة أعلى مقامات الصديقين، ثم قد يترقى العبد من تلك الحالة إلى أن يكون حبه للمنعم شاغلا له عن الالتفات إلى النعمة وهذه أعلى وأغلى فثبت من هذا أن الاشتغال بالشكر يوجب زيادة النعم الروحانية، وكونه موبجا لزيادة النعم الجسمانية فللاستقراء الدال على أن كل من كان اشتغاله بالشكر أكثر كان وصول النعم إليه أكثر وهو كما ترى * (ولئن كفرتم) * ذلك وغمطتموه ولم تشكروه كما تدل عليه المقابلة، وقيل: المراد بالكفر ما يقابل الإيمان كأنه قيل: ولئن أشركتم * (إن عذابي لشديد) * فعسى يصيبكم منه ما يصيبكم، ومن عادة الكرام غالبا التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد فما ظنك بأكرم الأكرمين، فلذا لم يقل سبحانه: إن عذابي لكم لأعذبنكم كما قال جل وعلا: * (لأزيدنكم) *.
وجوز أن يكون المذكور تعليلا للجواب المحذوف أي لأعذبنكم، وبين الإمام وجه كون كفران النعم سببا للعذاب أنه لا يحصل الكفران إلا عند الجهل بكون تلك النعمة من الله تعالى؛ والجاهل بذلك جاهل بالله تعالى والجهل به سبحانه من أعظم أنواع العذاب. والآية مما اجتمع فيها القسم والشرط فالجواب ساد مسد جوابيهما، والجملة إما مفعول - لتأذن - لأنه ضرب من القول أو مفعول قول مقدر منصوب على الحال ساد معموله مسده أي قائلا لئن شركتم الخ، وهذان مذهبان مشهوران للكوفية والبصرية في أمثال ذلك.
واستدل بالآية على أن شكر المنعم واجب وهو مما أجمع عليه السنيون والمعتزلة إلا أن الأولين على وجوبه شرعا والآخرين على وجوبه عقلا، وهو مبني على قولهم بالحسن والقبح العقليين، وقد هد أركانه أهل السنة، على أنه لو قيل به لم يكد يتم لهم الاستدلال بذلك في هذا المقام كما بين في محله.
* (وقال موسىإن تكفروا أنتم ومن فى الارض جميعا فإن الله لغنى حميد) * .
* (وقال موسى) * لهم: * (إن تكفروا) * نعمه سبحانه ولم تشكروها * (أنتم) * يا بني إسرائيل * (ومن في الأرض) * من الناس وقيل من الخلائق * (جميعا) * لم يتضرر هو سبحانه وإنما يتضرر من يكفر * (فإن الله لغني) * عن شكركم وشكرهم * (حميد) * مستوجب للحمد بذاته تعالى لكثرة ما يوجبه من أياديه وإن لم يحمده أحد أو محمود تحمده الملائكة عليهم السلام بل كل ذرة من ذرات العالم ناطقة بحمده، والحمد حيث كان بمقابلة النعمة وغيرها من الفضائل كان أدل على كماله جل وعلا، وهو تعليل لما حذف من جواب * (إن تكفروا) * كما أشرنا إليه، ثم إن موسى عليه السلام بعد أن ذكرهم أولا بنعمائه تعالى عليهم صريحا وضمنه بذكر ما أصابهم من الضراء، وأمرهم ثانيا بذكر ما جرى منه سبحانه من الوعد بالزيادة على الشكر والوعيد بالعذاب على الكفر وحقق لهم مضمون ذلك، وحذرهم من عند نفسه عن الكفران ثالثا لما رأى منهم ما يوجب ذلك شرع في الترهيب بتذكير ما جرى على الأمم الدارجة [بم فقال:
* (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جآءتهم رسلهم بالبين‍ات فردوا أيديهم فىأفواههم وقالوا إنا كفرنا بمآ أرسلتم به وإنا لفى شك مما تدعوننآ إليه مريب) * .
* (ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم) * ليتدبروا ما أصاب كل واحد من حزبي المؤمن والكافر فيتم له عليه السلام مقصوده منهم. وجوز أن يكون من تتمة قوله عليه
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»