تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩٧
في قوله سبحانه: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وأجيب بأن هذا غير وارد إذ المراد التفرقة فيما ذكر فيه صيغة ويغفر ذنوبكم لا مطلق ما كان بمعناه ولذا أسند الأمر إلى الاستقراء، ومثل الزمخشري لا يخفى عليه ما أورد ولا يلزم رعاية هذه النكتة في جميع المواد، وذكر البيضاوي في وجه التفرقة بين الخطابين ما حاصله لعل المعنى ذلك أنها لما ترتبت المغفرة في خطاب الكفرة على الإيمان لزمن فيه * (من) * التبعيضية لإخراج المظالم لأنها غير مغفورة، وأما في خطاب المؤمنين فلما ترتب على الطاعة واجتناب المعاصي التي من جملتها المظالم لم يحتج إلى * (من) * لإخراجها لأنها خرجت بما رتبت عليه، وهو مبني على خلاف ما صححه المحدثون، وينافيه ما ذكره في تفسير * (من ذنوبكم) * في سورة نوح عليه السلام؛ ومع ذا أورد عليه قوله تعالى: * (يا قوم إني لكن نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم) * (نوح: 2 - 4) حيث ذكرت * (من) * مع ترتيب المغفرة على الطاعة واجتناب المعاصي الذي أفاده * (اتقوا) * وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة) * الآية لعدم ذكر * (من) * مع ترتبها على الإيمان، والجواب بأنه لا ضمير إذ يكفي ترتيب ذلك على الإيمان في بعض المواد فيحمل مثله على أن القصد إلى ترتيبه عليه وحده بقرينة ذلك البعض وما ذكر معه يحمل على الأمر به بعد الإيمان أدنى من أن يقال فيه ليس بشيء، وبالجملة توجيه الزمخشري أوجه مما ذكره البيضاوي فتأمل وتذكر.
* (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * إلى وقت سماه الله تعالى وجعله منتهى أعماركم على تقدير الإيمان ولا يعاجلكم بعذاب الاستئصال، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يمتعكم في الدنا باللذات والطيبات إلى الموت، ولا يلزم مما ذكر القول بتعدد الأجل كما يزعمه المعتزلة، وقد مر تحقيق ذلك * (قالوا) * استئناف كما سبق آنفا * (إن أنتم) * ما أنتم * (إلا بشر مثلنا) * من غير فضل يؤهلكم لما تدعون من الرسالة. والزمخشري تهالك في مذهبه حتى اعتقد أن الكفار كانوا يعتقدون تفضيل الملك * (تريدون) * صفة ثانية - لبشر - حملا على المعنى كقوله تعالى: * (أبشر يهدوننا) * أو كلام مستأنف أي تريدون بما أنتم عليه من الدعوة والإرشاد * (أن تصدونا) * بما تدعونا إليه من التوحيد وتخصيص العبادة بالله تعالى * (عما كان يعبد ءاباؤنا) * عما استمر على عبادته آباؤنا من غير شيء يوجبه. وقرأ طلحة * (أن تصدونا) * بتشديد النون، وخرج على جعل أن مخففة من الثقيلة وتقدير فاصل بينها وبينالفعل أي أنه قد تصدونا، وقد جاء مثل ذلك في قوله: علموا أن يؤملون فجادوا * قبل أن يسألوا بأعظم سؤل والأولى أن يخرج على أن * (أن) * هي الثنائية التي تنصب المضارع لكنها لم تعمل كما قيل: في قوله تعالى: * (لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (البقرة: 233) في قراءة الرفع حملا لها على أختها * (ما) * المصدرية كما عملت * (ما) * حملا عليها فيما ذكره بعضهم في قوله: أن تقرآن على أسماء ويحكما * مني السلام وأن لا تشعرا أحدا * (فأتونا بسلط‍ان مبين) * أي إن لم يكن الأمر كما قلنا بل كنتم رسلا من قبله تعالى كما تدعون فأتونا بما يدل على صحة ما تدعونه من الرسالة حتى نترك ما لم نزل نعبده أبا عن جد، أو على فضلكم واستحقاقكم لتلك المرتبة.
قال ابن عطية: إنهم استعبدوا إرسال البشر فأرادوا حجة عليه، وقيل: بل إنهم اعتقدوا محاليته وذهبوا
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»