تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٥
أن يخلق عليه. وقرأ السلمي * (ألم تر) * بسكون الراء ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال أبوحيان: وتوجيه آخر وهو أن * (ترى) * حذفت العرب ألفها في قولهم: قام القوم ولو تر ما زيد كما حذفت ياء لا أبالي وقالوا لا أبال فلما دخل الجازم تخيل أن الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في لا أبال لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة، والمشهور التوجيه الأول. وقرأ الأخوان * (خالق السموات والأرض) * بصيغة اسم الفاعل والإضافة وجر * (الأرض) *.
* (إن يشأ يذهبكم) * يعدمكم أيها الناس كما قاله جماعة أو أيها الكفرة كما روى عن ابن عباس بالمرة * (ويأت بخلق جديد) * أي يخلق بدلكم خلقا مستأنفا لا علاقة بينكم وبينهم، والجمهور على أنه من جنس الآدميين، وذهب آخرون إلى أنه أعم من أن يكون من ذلك الجنس أو من غيره، أورد سبحانه هذه الشرطية بعد أن ذكر خلقه السموات والأرض إرشادا إلى طريق الاستدلال فإن من قدر على خلق مثل هاتيك الأجرام العظيم كان على إعدام المخاطبين وخلق آخرين بدلهم أقدر [بم ولذلك قال سبحانه:
* (وما ذالك على الله بعزيز) * .
* (وما ذالك) * أي المذكور من إذهابكم والإتيان بخلق جديد مكانكم * (على الله بعزيز) * بمتعذر أو متعسر فإنه سبحانه وتعالى قادر بذاته لا باستعانة وواسطة على جميع الممكنات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور. وهذه الآية على ما في " الكشاف " بيان لإبعادهم في الضلال وعظم خطبهم في الكفر بالله تعالى لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة وأنه هو الحقيق بأن يؤمن به ويرجى ثوابه ويخشى عقابه.
* (وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شىء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سوآء علينآ أجزعنآ أم صبرنا ما لنا من محيص) * . * (وبرزوا لله جميعا) * أي يبرزون يوم القيامة، وإيثار الماضي لتحقق الوقوع أو لأنه لا مضي ولا استقبال بالنبسة إليه سبحانه، والمراد ببروزهم لله ظهورهم من قبورهم للرائين لأجل حساب الله تعالى، فاللام للتعليل وفي الكلام حذف مضاف، وجوز أن تكون اللام صلة البروز وليس هناك حذف مضاف، ويراد أنهم ظهروا له عز شأنه عند أنفسهم وعلى زعمهم فإنهم كانوا يظنون عند ارتكابهم الفواحش سرا أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا له تعالى عند أنفسهم وعلموا أنه لا تخفى عليه جل شأنه خافية، وقال ابن عطية: معنى برزوا صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة فاستعير ذلك لمجمع يوم القيامة، وهذا ميل إلى التعليل والحذف. ونقل الإمام عن الحكماء في تأول البروز أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت مجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها وذلك هو البروز لله تعالى وهو كلام تعده العرب من الأحاجي ولذا لم يلتفت إليه المحدثون.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (وبرزوا) * مبنيا للمفعول وبتشديد الراء، والمراد أظهرهم الله تعالى وأخجرهم من قبورهم لمحاسبته * (فقال الضعفاء) * جمع ضعيف، والمراد بهم ضعاف الرأي وهم الاتباع، وكتب في المصحف العثماني بواو قبل الهمزة، ووجه ذلك بأنه على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ونظيهر علموا بني إسرائيل. ورد ذلك الجعبي قائلا: إنه ليس من لغة العرب ولا حاجة للتوجيه بذلك لأن الرسم سنة متبعة، وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة، ولو وجه بأنه اتباع للفظه في الوقف فإن من القراء من يقف في مثل ذلك بالواو كان حسنا صحيحا كذا ذكر فليراجع. ولعل من أنصف لا يرى أحسن من ترك التوجيه.
* (للذين استكبروا) * أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم * (إنا كنا) * في الدنيا * (لكم تبعا) * في تكذيب الرسل عليهم السلام والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كخادم وخدم وغايب وغيب أو
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»