تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٦
المحرمات في هذه الأشياء وبأنه لما ثبت بمقتضى ذلك حصر المحرمات في الأربعة كان هذا اعترافا بحل ما سواها والقول بتحريم شيء خامس يكون نسخا. ولا شك أن مدار الشريعة على أن الأصل عدم النسخ لأنه لو كان احتمال طريان النسخ معادلا لاحتمال بقاء الحكم على ما كان فحينئذ لا يمكن التمسك بشيء من النصوص في إثبات شيء من الأحكام لاحتمال أن يقال: إنه وإن كان ثابتا إلا أنه زال ".
وما قيل في الاستثناء يرد عليه أن المصدر المؤول من أن والفعل لا ينصب على الظرفية ولا يقع حالا لأنه معرفة وبعضهم قال لاتصال الاستثناء: إن التقدير إلا الموصوف بأن يكون أحد الأربعة على أنه بدل من * (محرما) * وفيه تكلف ظاهر، وقيل: التقدير على قراءة الرفع إلا وجود ميتة والإضافة فيه من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ميتة موجودة.
وأجيب أيضا عن الإشكال بأن الآية وإن دلت على الحصر إلا أنا نخصصها بالأخبار. وتعقبه الإمام أيضا " بأن هذا ليس من باب التخصيص بل هو صريح النسخ لأنها لما كان معناها أن لا محرم سوى الأربعة فإثبات محرم آخر قول بأن الأمر ليس كذلك وهو رفع للحصر ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز ". وأجاب عن ذلك القطب الرازي بأنه لا معنى للحصر ههنا إلا أن الأربعة محرمة وما عداها ليس بمحرم وهذا عام فإثبات محرم آخر تخصيص لهذا العام وتخصيص العام بخبر الواحد جائز.
وقد احتج بظاهر الآية كثير من السلف فأباحوا ما عدا المذكور فيها فمن ذلك الحمر الأهلية. أخرج البخاري عن عمرو بن دينار قلت لجابر بن عبد الله: أنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبى ذلك البحر - يعني ابن عباس - وقرأ * (قل لا أجد فيما أوحي إلي) * الآية. وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن أكل القنفذ فقرأ الآية، وأخرج ابن أبي حاتم وغيرهم بسند صحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير قالت * (قل لا أجد) * الخ. وأخرج عن ابن عباس قال: ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله تعالى في كتابه * (قل لا أجد) * الآية، وقوى الإمام الرازي القول بالظاهر فإنه قال بعد كلام " فثبت بالتقرير الذي ذكرناه قوة هذا الكلام وصحة هذا المذهب وهو الذي كان يقول به مالك بن أنس؛ ثم قال: ومن السؤالات الضعيفة أن كثيرا من الفقهاء خصصوا عموم هذه الآية بما نقل أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما استخبثته العرب فهو حرام " وقد علم أن الذي تستخبثه غير مضبوط فسيد العرب بل سيد العالمين عليه الصلاة والسلام لما رآهم يأكلون الضب قال: " يعافه طبعي " ولم يكن ذلك سببا لتحريمه. وأما سائر العرب ففيهم من لا يستقذر شيئا وقد يختلفون في بعض الأشياء فيستقذرها قوم ويستطيبها آخرون فعلم أن أمر الاستقذار غير مضبوط بل هو مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فكيف يجوز نسخ هذا النص القاطع بذلك الأمر الذي ليس له ضابط معين ولا قانون معلوم " انتهى. ولا يخفى ما فيه.
واستدل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه * (على طاعم يطعمه) * على أنه إنما حرم من الميتة أكلها وأن جلدها يطهر بالدبغ، أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أخذتم مسكها فقالت نأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إنما قال الله تعالى * (قل لا أجد
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»