تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٧
أي هذا الصراط الذي أسلكه وأدعو إليه * (مستقيما) * لا اعوجاج فيه، ونصبه على الحال * (فاتبعوه) * أي اقتفوا أثره واعملوا به * (ولا تتبعوا السبل) * أي الضلالات كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وفي رواية عنه أنها الأديان المختلفة كاليهودية والنصرانية، وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن مجاهد أنها البدع والشبهات * (فتفرق بكم) * نصب في جواب النهي والأصل تتفرق فحذفت إحدى التاءين والباء للتعدية أي فتفرقكم حسب تفرقها أيادي سبأ فهو كما ترى أبلغ من تفرقكم كما قيل من أن ذهب به لما فيه من الدلالة على الاستصحاب أبلغ من أذهبه * (عن سبيله) * أي سبيل الله تعالى الذي لا اعوجاج فيه ولا حرج لما هو دين الإسلام، وقيل: هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان، وفيه تنبيه على أن صراطه عليه السلام عين سبيل الله تعالى، وقد أخرج أحمد وجماعة عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: " هذا سبيل الله تعالى مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) * الخ، وإنما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم أولا لأن ذلك أدعى للاتباع إذ به يتضح كونه صراط الله عز وجل.
* (ذالكم) * إشارة إلى اتباع السبيل وترك اتباع السبل * (وصاكم به لعلكم تتقون) * عقاب الله تعالى بالمثابرة على فعل ما أمر به والاستمرار على الكف عما نهى عنه. قال أبو حيان: " ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر سبحانه باتباعه ونهى عن (اتباع غيره من) الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية. وكرر سبحانه الوصية لمزيد التأكيد " ويا لها من وصية ما أعظم شأنها، وأوضح برهانها. وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والبيهقي في " الشعب " وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد عليه الصلاة والسلام بخاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات * (قل تعالوا) * إلى * (تتقون) * (الأنعام: 151 - 153) وأخرج ابن حميد وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث " ثم تلاهن إلى آخرهن ثم قال: " فمن وفى بهن فأجره على الله تعالى ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله تعالى في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله تعالى إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه ". وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي قال: سمع كعب رجلا يقرأ * (قل تعالوا أتل) * الخ فقال: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة " بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى آخر الآيات، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وهن محرمات على بني آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار.
هذا و (أن) في قوله سبحانه: (أن لا تشركوا) يحتمل أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية. قال العلامة الثاني: وفي الاحتمالين إشكال فإنها إن جعلت مصدرية كانت بيانا للمحرم بدلا من ما أو عائده المحذوف. وظاهر أن المحرم هو الإشراك لا نفيه وأن الأوامر بعد معطوفة على (لا تشركوا) وفيه عطف الطلبي على الخبري وجعل الواجب المأمور به محرما فاحتيج إلى تكلف كجعل (لا) مزيدة وعطف الأوامر على المحرمات باعتبار حرمة
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»