تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٤
من الأكل والشرب وغير ذلك، ولعل إرادة غير الأكل فيه بطريق القياس، وكذا حمل الطاعم على الواجد من قولهم: رجل طاعم أي حسن الحال مرزوق وإبقاء * (يطعمه) * على ظاهره أي على واجد يأكله فلا يكون الوصف حينئذ لزيادة التقرير على ما أشرنا إليه.
* (إلا أن يكون) * ذلك الطعام أو الشيء المحرم * (ميتة) * المراد بها ما لم يذبح ذبحا شرعيا فيتناول المنخنقة ونحوها. وقرأ ابن كثير وحمزة * (تكون) * بالتاء لتأنيث الخبر، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر * (يكون ميتة) * بالياء ورفع * (ميتة) * وأبو جعفر يشدد أيضا على أن كان هي التامة * (أو دما) * عطف على * (ميتة) * أو على أن مع ما في حيزه. وقوله سبحانه: * (مسفوحا) * أي مصبوبا سائلا كالدم في العروق صفة له خرج به الدم الجامد كالكبد والطحال. وفي الحديث " أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ودمان الكبد والطحال " وقد رخص في دم العروق بعد الذبح، وإلى ذلك ذهب كثير من الفقهاء. وعن عكرمة أنه قال: لولا هذا القيد لاتبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود.
* (أو لحم خنزير فإنه) * أي اللحم - كما قيل - لأنه المحدث عنه أو الخنزير لأنه الأقرب ذكرا. وذكر اللحم لأنه أعظم ما ينتفع به منه فإذا حرم فغيره بطريق الأولى، وقيل - وهو خلاف الظاهر -: الضمير لكل من الميتة والدم ولحم الخنزير على معنى فإن المذكور * (رجس) * أي قذر أو خبيث مخبث * (أو فسقا) * عطف على * (لحم خنزير) * على ما اختاره كثير من المعربين وما بينهما اعتراض مقرر للحرمة * (أهل لغير الله به) * صفة له موضحة. وأصل الإهلال رفع الصوت. والمراد الذبح على اسم الأصنام. وإنما سمي ذلك فسقا لتوغله في الفسق. وجوز أن يكون (فسقا) مفعولا له لأهل وهو عطف على * (يكون) * و * (به) * قائم مقام الفاعل. والضمير راجع إلى ما رجع إليه المستكن في * (يكون) *. قال أبو حيان: " وهذا إعراب متكلف جدا (والنظم عليه) خارج عن الفصاحة وغير جائز على قراءة من قرأ * (إلا أن يكون ميتة) * بالرفع (لأن) ضمير * (به) * ليس له ما يعود عليه، ولا يجوز أن يتكلف (له موصوف) محذوف يعود عليه الضمير (أي) شيء أهل لغير الله به لأن مثل هذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر " اه‍. وعنى بذلك - كما قال الحلبي - أنه لا يحذف الموصوف والصفة جملة إلا إذا كان في الكلام - من - التبعيضية نحو منا أقام ومنا ظعن أي فريق أقام وفريق ظعن فإن لم يكن فيه - من - كان ضرورة كقوله: ترمى بكفي كان من أرمى البشر أراد بكفي رجل كان الخ. وهذا - كما حقق في موضعه - رأي بعض، وأما غيره فيقول: متى دل دليل على الموصوف حذف مطلقا فيجوز أن يرى المجوز هذا الرأي ومنعه من حيث رفع الميتة - كما قال السفاقسي - فيه نظر لأن الضمير يعود على ما يعود عليه بتقدير النصب والرفع لا يمنع من ذلك، نعم الإعراب الأول أولى كما لا يخفى.
* (فمن اضطر) * أي أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء من ذلك * (غير باغ) * أي طالب ما ليس له طلبه بأن يأخذ ذلك من مضطر آخر مثله. وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين. وقال الحسن: أي غير متناول للذة؛ وقال مجاهد: غير باغ على إمام * (ولا عاد) * أي متجاوز قدر
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»