تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٢
مواد افترائهم فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة وأولادها كيفما كانت تارة أخرى مسندين ذلك كله لله سبحانه، وإنما لم يل المنكر وهو التحريم الهمزة والجاري في الاستعمال أن ما نكر وليها لأن ما في النظم الكريم أبلغ. وبيانه - على ما قال السكاكي - أن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة فإذا انتفى محله وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني كأنه وضع الكلام موضع من سلم أن ذلك قد كان ثم طالبه ببيان محل كي يتبين كذبه ويفتضح عند المحاقة، وإنما لم يورد سبحانه الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة بأن يقال: قل آلذكور حرم أم الإناث أما اشتملت عليه أرحام الإناث لما في (التثنية و) التكرير من المبالغة أيضا في الإلزام والتبكيت.
ونقل الإمام عن المفسرين أنهم قالوا: " إن المشركين من أهل الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام فاحتج الله سبحانه على إبطال ذلك بأن للضأن والمعز والإبل والبقر ذكرا وأنثى فإن كان قد حرم سبحانه منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها حراما، وإن كان حرم جل شأنه الأنثى وجب أن يكون كل إناثها حراما. وإن كان حرم الله تعالى شأنه ما اشتملت عليه أرحام الإناث وجب تحريم الأولاد كلها لأن الأرحام تشتمل على الذكور والإناث. وتعقبه بأنه بعيد جدا لأن لقائل أن يقول: هب أن هذه الأجناس الأربعة محصورة في الذكور والإناث إلا أنه لا يجب أن تكون علة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذكورة والأنوثة بل علة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو غير ذلك من الاعتبارات كما إذا قلنا: إنه تعالى حرم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل فإذا قيل: إن ذلك الحيوان إن كان قد حرم لكونه ذكرا وجب أن يحرم كل حيوان ذكر، وإن كان قد حرم لكونه أنثى وجب أن يحرم كل حيوان أنثى. ولما لم يكن هذا الكلام لازما علينا فكذا هذا الوجه الذي ذكره المفسرون "، ثم ذكر في الآية وجهين من عنده وفيما ذكرنا غني عن نقلهما. ومن الناس من زعم أن المراد من الإثنين في الضأن والمعز والبقر الأهلي والوحشي وفي الإبل العربي والبختي وهو مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وما روي عن ليث بن سليم لا يدل عليه، وقول الطبرسي: " إنه المروى عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه " كذب لا أصل له وهو شنشنة أعرفها من أخزم.
وقوله سبحانه: * (أم كنتم شهداء) * تكرير للإفحام والتبكيت، و (أم) منقطعة، والمراد بل أكنتم حاضرين مشاهدين * (إذ وصاكم الله) * أي أمركم وألزمكم * (به‍اذا) * التحريم إذ العلم بذلك إما بأن يبعث سبحانه رسولا يخبركم به وإما بأن تشاهدوا الله تعالى وتسمعوا كلامه جل شأنه فيه. والأول مناف لما أنتم عليه لأنكم لا تؤمنون برسول فيتعين المشاهدة والسماع بالنسبة إليكم وذلك محال ففي هذا ما لا يخفى من التهكم بهم.
* (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فنسب إليه سبحانه تحريم ما لم يحرم، والمراد به - على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - عمرو بن لحي بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب وتعمد الكذب على الله تعالى، وقيل: كبراؤهم المقررون لذلك، وقيل: الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه سبحانه وتعالى، والمراد فأي فريق أظلم ممن الخ، واعترض بأن قيد التعمد معتبر في معنى الافتراء. ومن تابع عمرا من الكبراء يحتمل أنه أخطأ في تقليده فلا يكون متعمدا للكذب فلا ينبغي تفسير الموصول به، والفاء لترتيب
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»