ما بعد على ما سبق من تبكيتهم وإظهار كذبهم وافترائهم، ونصب * (كذبا) * قيل على المفعولية، وقيل: على المصدرية من غير لفظ الفعل، وجعله حالا أي كاذبا جوزه بعض كمل المتأخرين وهو بعيد لا خطأ خلافا لمن زعمه. * (ليضل الناس) * متعلق بالافتراء * (بغير علم) * متعلق بمحذوف وقع حالا من ضمير (افترى) أي افترى عليه سبحانه جاهلا بصدور التحريم عنه جل شأنه، وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفتري عالم بعدم الصدور إيذانا بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات فإن من افترى عليه سبحانه بغير علم بصدور ذلك عنه جل جلاله مع احتمال صدوره إذا كان في تلك الغاية من الظلم فما الظن بمن افترى وهو يعلم عدم الصدور. وجوز كونه حالا من فاعل (يضل (على معنى متلبسا بغير علم بما يؤدي به إليه من العذاب العظيم. وقيل: معنى الآية عليه أنه عمل عمل القاصد إضلال الناس من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال وكان جاهلا بذلك غير عالم به، وهو ظاهر في أن اللام للعاقبة وله وجه. وجوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع حالا من * (الناس) * وما تقدم أظهر وأبلغ في الذم. واستدل القاضي بالآية على أن الإضلال عن الدين مذموم لا يليق بالله تعالى لأنه سبحانه إذا ذم الإضلال الذي ليس فيه إلا تحريم المباح فالذي هو أعظم منه أولى بالذم، وفيه أنه ليس كل ما كان مذموما من الخلق كان مذموما من الخالق.
* (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * إلى طريق الحق، وقيل: إلى دار الثواب لاستحقاقهم العقاب واختاره الطبرسي، وإلى نحوه ذهب القاضي بناء على مذهبه وليس بالبعيد على أصولنا أيضا. وقيل: إلى ما فيه صلاحهم عاجلا وآجلا وهو أتم فائدة وأنسب بحذف المعمول، ونفي الهداية عن الظالم يستدعي نفيها عن الأظلم من باب أولى.
* (قل لا أجد فى مآ أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) *.
* (قل) * أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء بحت بأن يبين لهم ما حرم عليهم. وقوله سبحانه: * (لا أجد في ما أوحي إلي محرما) * الخ كناية عن عدم الوجود، وفيه إيذان بأن طريق التحريم ليس إلا التنصيص من الله تعالى دون التشهي والهوى، وتنبيه - كما قيل - على أن الأصل في الأشياء الحل، و * (محرما) * صفة لمحذوف دل عليه ما بعد وقد قام مقامه بعد حذفه فهو مفعول أول لأجد ومفعوله الثاني * (فيما أوحي) * قدم للاهتمام لا لأن المفعول الأول نكرة لأنه نكرة عامة بالنفي فلا يجب تقديم المسند الظرف، وليس المفعول الأول محذوفا أي لا أجد ريثما تصفحت ما أوحي إلي قرآنا وغيره على ما يشعر به العدول عن أنزل إلى * (أوحي) * أو ما أوحي إلي من القرآن طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها * (على طاعم) * أي طاعم كان من ذكر أو أنثى ردا على قولهم: * (محرم على أزواجنا) * (الأنعام: 139) وقوله تعالى: * (يطعمه) * في موضع الصفة لطاعم جيء به كما في قوله سبحانه: * (طائر يطير) * (الأنعام: 38) قطعا للمجاز. وقرىء * (يطعمه) * بالتشديد وكسر العين، والأصل يطتعمه فأبدلت التاء طاء وأدغمت فيها الأولى، والمراد بالطعم تناول الغذاء، وقد يستعمل طعم في الشراب أيضا كما تقدم الكلام عليه، والمتبادر هنا الأول، وقد يراد به مطلق النفع، ومنه ما في حديث بدر " ما قتلنا أحدا به طعم ما قتلنا إلا عجازا طلعا " أي قتلنا من لا منفعة له ولا اعتداد به، وإرادة هذا المعنى هنا بعيد جدا ولم أر من قال به، نعم قيل: المراد سائر أنواع التناولات