تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٨
على الأمعاء. وجوز غير واحد أن يكون العطف على * (ظهورهما) * وأن يكون على * (شحومهما) * وحينئذ يكون ما ذكر محرما وإليه ذهب بعض السلف. وهو يعطف قوله تعالى: * (أو ما اختلط بعظم) * وهو شحم الألية لاتصالها بالعصعص، وقيل: هو المخ ولا يقول أحد أنه شحم عليه ويقول بتحريمه أيضا.
و الحوايا قيل جمع حاوية كزاوية وزوايا ووزنه فواعل وأصله حواوي فقلبت الواو التي هي عين الكلمة همزة لأنها ثاني حرفي لين اكتنفا مدة مفاعل ثم قلبت الهمزة المكسورة ياء ثم فتحت لثقل الكسرة على الياء فقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها بعد فتحة فصارت حوايا أو قلبت الواو همزة مفتوحة ثم الياء الأخيرة ألفا ثم الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين كما فعل بخطايا؛ وقيل: جمع حاوياء كقاصعاء وقواصع ووزنه فواعل أيضا وإعلاله كما علمت، وقيل: جمع حوية كظريفة وظرائف ووزنه فعائل وأصل حوائي فقلبت الهمزة ياء مفتوحة والياء التي هي لام ألفا فصار حوايا. وجوز الفارسي أن يكون جمعا لكل واحد من هذه الثلاثة وقد سمع في مفرده أيضا.
و * (أو) * بمعنى الواو. وقال أبو البقاء لتفصيل مذاهبهم نظيرها في قوله تعالى: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) * (البقرة: 135) وقال الزجاج: هي فيما إذا كان العطف على الشحوم للإباحة كما في قوله تعالى: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24) أي كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا أو اعص هذا. و * (أو) * بليغة في هذا المعنى لأنك إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فجائز أن تكون نهيت عن طاعتهما معا فإن أطيع زيد على حدته لم يكن معصية فإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا كان المعنى هؤلاء كلهم أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة، ومنه جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي فليس المعنى الأمر بمجالسة واحد منهم بل المعنى كلهم أهل أن يجالس فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب. واختاره العلامة الثاني وقال: الوجه أن يقال إن كلمة * (أو) * في العطف على المستثنى من قبيل جالس الحسن أو ابن سيرين كما في العطف على المستثنى منه يعني أنها لإفادة التساوي في الكل فيحرم الكل. وتحقيقه أن مرجع التحريم إلى النهي كأنه قيل لا تأكلوا أحد الثلاثة وهو معنى العموم، وهذا مراد الزمخشري فيما نقل عنه من أن الجملة لما دخلت في حكم التحريم فوجه العطف بحرف التخيير أنها بليغة بهذا المعنى ثم قال: وبهذا يتبين فساد ما يتوهم أنه يريد أنه على تقدير العطف على المستثنى منه يكون المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو حرمنا عليهم الحوايا أو حرمنا عليهم ما اختلط بعظم فيجوز لهم ترك أيها كان وأكل الآخرين وادعى أن الظاهر أن مثل هذا وإن كان جائزا فليس من الشرع أن يحرم أو يحلل واحد مبهم من أمور معينة وإنما ذلك في الواجب فقط. وهذه الدعوى من العجب فإن الحرام المخير والمباح المخير مما صرح به الفقهاء وأهل الأصول قاطبة ويحتاج الأمر إلى إمعان نظر فليمعن، وذكر الطيبي في حاصل كلام بعض المحققين في * (أو) * هنا أنك إذا عطفت على الشحوم دخلت الثلاثة تحت حكم النفي فيحرم الكل سوى ما استثنى منه وإذا عطفت على المستثنى لم يحرم سوى الشحوم و * (أو) * على الوجه الأول للإباحة وعلى الثاني للتنويع.
* (ذالك) * إشارة إلى الجزاء أو التحريم فهو على الأول: نصب على أنه مصدر مؤكد لما بعده. وعلى الثاني: على أنه مفعول ثان له أي ذلك التحريم * (جزيناهم) * وجزى يتعدى بالباء وبنفسه كما ذكره الراغب وغيره. وما نقل عن ابن مالك أن اسم الإشارة لا ينتصب مشارا به إلى المصدر إلا ويتبع بالمصدر نحو قمت هذا القيام وقعدت ذلك القعود ولا يجوز قمت هذا ولا قعدت ذاك رده أبو حيان والجلبي وصححا ورود اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر غير متبوع به.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»