تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٩
وجوز كون ذلك خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره ما بعده والعائد محذوف أي جزيناهم إياه * (ببغيهم) * أي بسبب ظلمهم وهو قتلهم الأنبياء بغير حق وأكلهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل. وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شيء مما أحل لهم وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم. وقيل: المراد ببغيهم على فقرائهم بناء على ما نقل علي بن إبراهيم في " تفسيره " أن ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم فحرم الله تعالى عليهم ذلك بسبب هذا المنع وهو تابع للمصلحة أيضا ولا بعد في أن يكون المنع من الانتفاع لمزيد استحقاق الثواب وأن يكون لجرم متقدم.
* (وإنا لصادقون) * في جميع أخبارنا التي من جملتها الأخبار بالتحريم وبالبغي. وعد منها - واقتصر عليه بعضهم - الوعد والوعيد. وقوى الإمام بهذه الآية " ما ذهب إليه الإمام مالك وكثير من السلف وهو القول بما يقتضيه ظاهر الآية السابقة من حل ما عدا الأربعة المذكورة فيها وذلك أنه أوجب حمل الظفر على المخلب لبعد حمله على الحافر لوجهين، الأول: أن الحافر لا يكاد يسمى ظفرا. والثاني: أن الأمر لو كان كذلك لوجب أن يقال: إنه تعالى حرم عليهم كل حيوان له حافر وهو باطل لأن الآية تدل على أن الغنم والبقر مباحان لهم مع حصول الحافر لهم وإذا وجب حمله على المخلب. والآية تفيد تخصيص هذه الحرمة باليهود كما أشرنا إليه من وجهين، الأول: إفادة التركيب الحصر لغة، والثاني: أنها لو كانت ثابتة في حق الكل لم يبق للاقتصار على ذكرهم فائدة ووجب أن لا تكون السباع وذوات المخلب من الطير محرمة على المسلمين بل يكون تحريمها مختصا باليهود وحينئذ فما روي أنه صلى الله عليه وسلم حرم كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير ضعيف لأنه خبر واحد على خلاف كتاب الله تعالى فلا يكون مقبولا " فيتقرر قول الجماعة السابق وفيه نظر لا يخفى فتدبر.
* (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) *.
* (فإن كذبوك) * أي اليهود كما قال مجاهد والسدي وغيرهما وهو الذي يقتضيه الظاهر لأنهم أقرب ذكرا ولذكر المشركين بعد بعنوان الإشراك، وقيل: الضمير للمشركين. فالمعنى على الأول: إن كذبك اليهود في الحكم المذكور وأصروا على ما كانوا عليه من ادعاء قدم التحريم * (فقل) * لهم * (ربكم ذو رحمة) * عظيمة * (واسعة) * لا يؤاخذكم بكل ما تأتونه من المعاصي ويمهلكم على بعضها * (ولا يرد بأسه) * أي لا يدفع عذابه بالكلية * (عن القوم المجرمين) * فلا تنكروا ما وقع منه تعالى من تحريم بعض الطيبات عليكم عقوبة وتشديدا. وعلى الثاني: فإن كذبك المشركون فيما فصل من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم ربكم ذو رحمة واسعة ولا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فإنه إمهال لا إهمال. وقيل يحتمل أن يكون المراد أنه تعالى ذو رحمة واسعة فهو يرحمني بتوفيق كثير لتصديقي فلا يضرني تكذيبكم ويضركم لأنه لا يرد بأسه عن المجرمين المكذبين أو سيرحمني بالانتقام منكم ولا يرد بأسه عنكم وفيه بعد، وقيل: المراد ذو رحمة للمطيعين وذو بأس شديد على المجرمين فأقيم مقامه قوله تعالى: * (ولا يرد) * الخ لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة أنه لاحق بهم ألبتة من غير صارف يصرفه عنهم أصلا.
* (سيقول الذين أشركوا لو شآء الله مآ أشركنا ولا ىابآؤنا ولا حرمنا من شىء كذالك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنآ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) *.
* (سيقول الذين أشركوا) * حكاية لفن آخر من أباطيلهم والإخبار قبل وقوعه ثم وقوعه حسبما أخبر كما يحكيه قوله تعالى عند وقوعه: * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) * (النحل: 35) صريح في أنه من
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»