* (وأنعام) * أي وهذه أنعام على ما مر.
وقوله سبحانه: * (لا يذكرون اسم الله عليها) * صفة لأنعام مسوق من قبله تعالى تعيينا للموصوف وتمييزا له عن غيره كما في قوله تعالى: * (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) * (النساء: 157) في رأي لا أنه واقع في كلامهم المحكي كنظائره كأنه قيل: وأنعام ذبحت على الأصنام فإنها التي لا يذكر اسم الله تعالى عليها وإنما يذكر عليها اسم الأصنام. وأخرج ابن المنذر وغيره عن أبي وائل أن المعنى لا يحجون عليها ولا يلبون. وعن مجاهد كانت لهم طائفة من أنعامهم لا يذكرون اسم الله تعالى عليها ولا في شيء من شأنها لا إن ركبوا ولا أن حلبوا ولاولا.
* (افتراء عليه) * أي على الله سبحانه وتعالى، ونصب * (افتراء) * على المصدر إما على أن قولهم المحكي بمعنى الافتراء، وإما على تقدير عامل من لفظه أي افتروا افتراء أو على الحال من فاعل * (قالوا) * أي مفترين أو على العلة أي للافتراء وهو بعيد معنى، و * (عليه) * قيل: متعلق بقالوا أو بافتروا المقدر على الاحتمالين الأولين وبافتراء على الاحتمالين الأخيرين. ولا يخفى بعد تعلقه بقالوا، والذي دعاهم إليه ومنعهم من تعلقه بالمصدر - على ما قيل - أن المصدر إذا وقع مفعولا مطلقا لا يعمل لعدم تقديره بأن والفعل، وفيه نظر لأن تأويله بذلك ليس بلازم لتعلق الجار به فإنه مما يكفيه رائحة الفعل. وجوز أبو البقاء أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع صفة لافتراء أي افتراء كائنا عليه * (سيجزيهم) * ولا بد * (بما كانوا يفترون) * أي بسببه أو بدله، وأبهم الجزاء للتهويل.
* (وقالوا ما فى بطون هاذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركآء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم) *.
* (وقالوا) * حكاية لفن آخر من فنون كفرهم. * (ما في بطون هاذه الأنعام) * يعنون به أجنة البحائر والسوائب كما روي عن مجاهد والسدي وروى ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم يعنون به الألبان، و " ما " مبتدأ خبره قوله سبحانه: * (خالصة لذكورنا) * أي حلال لهم خاصة لا يشركهم فيه أحد من الإناث، والتاء للنقل إلى الإسمية أو للمبالغة كراوية الشعر أي كثير الرواية له أو لأن الخالصة مصدر - كما قال الفراء - كالعافية وقع موقع الخالص مبالغة أو بتقدير ذو وهذا مستفيض في كلام العرب تقول: فلان خالصتي أي ذو خلوصي، قال الشاعر: كنت أميني وكنت خالصتي * وليس كل امرىء بمؤتمن نعم قيل: مجيء المصدر بوزن فاعل وفاعلة قليل، وقيل: إن التاء للتأنيث بناء على أن " ما " عبارة عن الأجنة.
والتذكير في قوله تعالى: * (ومحرم على أزواجنا) * أي على جنس أزواجنا وهن الإناث باعتبار اللفظ، واستبعد ذلك بأن فيه رعاية المعنى أولا واللفظ ثانيا وهو خلاف المعهود في الكتاب الكريم من العكس، وادعى بعض أن له نظائر فيه، منها قوله تعالى: * (كل ذلك كان شيئه عند ربك مكروها) * (الإسراء: 38) إذ أنث فيه ضمير " كل " أولا مراعاة للمعنى ثم ذكر حملا على اللفظ، وقيل: إن ما هنا جار على المعهود من رعاية اللفظ أولا لأن صلة " ما " جار ومجرور تقدير متعلقه استقر لا استقرت ولا وجه لذلك لأن المتعلق والضمير المستتر فيه لا يعلم تذكيره وتأنيه حتى يكون مراعاة لأحد الجانبين، والذي يقتضيه الإنصاف أن الحمل على اللفظ بعد المعنى قليل وغيره أولى ما وجد إليه سبيل، وذكر بعضهم أن ارتكاب خلاف المعهود ههنا لا يخلو عن لطف معنوي ولفظي، أما الأول فموافقة