تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٨
واعترض بأنه لا يخفى أنه بعد تقدير المبتدأ لو لم يؤل - نعم الوكيل - بمقول في حقه ذلك تكون الجملة أيضا إنشائية إذ الجملة الإسمية التي خبرها إنشاء إنشائية كما أن التي خبرها فعل فعلية بحسب المعنى كيف لا ولا فرق بين - نعم الرجل زيد، وزيد نعم الرجل - في أن مدلول كل منهما نسبة غير محتملة للصدق والكذب، وبعد التأويل لا يكون المعطوف جملة - نعم الوكيل - بل جملة متعلق خبرها - نعم الوكيل - والإشكال إنما هو في عطف - نعم الوكيل - إلا أن يقال يختار هدا، ويقال: الجواب عن شيء قد يكون بتقرير ذلك الشيء وإبداء شيء آخر وقد يكون بتغيير ذلك الشيء، وما ههنا من الثاني فمن حيث الظاهر المعطوف هو جملة - نعم الوكيل - فيعود الإشكال، ومن حيث الحقيقة هو جملة هو مقول فلا إشكال لكن يرد أنه بعد التأويل يفوت إنشاء المدح العام الذي وضع أفعال المدح له بل يصير للإخبار بالمدح الخاص، وهو أنه مقول في حقه - نعم الوكيل - وأيضا مقولية المقول المذكور فيه إنما تكون بطريق الحمل والإخبار عنه - بنعم الوكيل - فلا بد من تقدير مقول في حقه مرة أخرى، ويلزم تقديرات غير متناهية وكأنه لهذا لم يؤل الجمهور الإنشاء الواقع خبرا بذلك وإنما هو مختار السعد رحمه الله تعالى، وقد جوز بعضهم على تقدير كون الواو من المحكي عطف - نعم الوكيل - على حسبنا باعتبار كونه في معنى الفعل كما عطف * (جعل) * على * (فالق) * في قوله تعالى: * (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا) * (الأنعام: 96) على رأي فحينئذ يكون من عطف الجملة التي لها محل من الإعراب على المفرد لأنه إذ ذاك خبر عن المفرد، وبعض المحققين يجوزون ذلك لا من عطف الإنشاء على الإخبار - وهذا وإن كان في الحقيقة لا غبار عليه - إلا أن أمر العطف على الخبر بناءا على ما ذكره الشيخ الرضي من أن نعم الرجل بمعنى المفرد وتقديره أي رجل جيد - أظهر كما لا يخفى، ومن الناس من ادعى أن الآية شاهد على جواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب بناءا على أن الواو من الحكاية لا غير. ولا يخفى عليك أنه بعد تسليم كون الواو كذلك فيها لا تصلح شاهدا على ما ذكر لجواز أن يكون قالوا مقدرا في المعطوف بقرينة ذكره في المعطوف عليه فيكون من عطف الجملة الفعلية الخبرية، على الجملة الفعلية الخبرية، ثم إن الظاهر كما يقتضي أن يكون في الآية عطف على الإخبار - وفيه الخلاف الذي عرفت - كذلك يقتضي عطف الفعلية على الاسمية - وفيه أيضا خلاف مشهور كعكسه - ومما ذكرنا في أمر الإنشاء والإخبار يستخرج الجواب عن ذلك، وقد أطال العلماء الكلام في هذا المقام وما ذكرناه قليل من كثير ووشل من غدير، ثم إن هذه الكلمة كانت آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار كما أخرجه البخاري في " الأسماء والصفات " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعبد الرزاق وغيره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل) "، وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال: حسبي الله ونعم الوكيل. وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف ".
* (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) *.
* (فانقلبوا) * عطف على مقدر دل عليه السياق أي فخرجوا إليهم ورجعوا * (بنعمة) * في موضع الحال من الضمير في - انقلبوا - وجوز أن يكون مفعولا به، والباء على الأول للتعدية، وعلى الثاني للمصاحبة، والتنوين على التقديرين للتفخيم أي بنعمة عظيمة لا يقدر قدرها * (من الله) * صفة لنعمة مؤكدة
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»