تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٧
واستدل بذلك من قال: إن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا وهذا ظاهر إن جعلت الطاعة من جملة الإيمان وأما إن جعل الإيمان نفس التصديق والاعتقاد فقد قالوا في ذلك: إن اليقين مما يزداد بالألف وكثرة التأمل وتناصر الحجج بلا ريب، ويعضد ذلك أخبار كثيرة، ومن جعل الإيمان نفس التصديق وأنكر أن يكون قابلا للزيادة والنقصان يؤول ما ورد في ذلك باعتبار المتعلق، ومنهم من يقول: إن زيادته مجاز عن زيادة ثمرته وظهور آثاره وإشراق نوره وضيائه في القلب ونقصانه على عكس ذلك، وكأن الزيادة هنا مجاز عن ظهور الحمية وعدم المبالاة بما يثبطهم، وأنت تعلم أن التأويل الأول هنا خفي جدا لأنه لم يتجدد للقوم بحسب الظاهر عند ذلك القول شيء يجب الإيمان به كوجوب صلاة أو صوم مثلا ليقال: إن زيادة إيمانهم باعتبار ذلك المتعلق وكذا التزام التأويل الثاني في الآيات والآثار التي لم تكد تتمنطق بمنطقة الحصر بعيد غاية البعد. فالأولى القول بقبول الإيمان الزيادة والنقصان من غير تأويل، وإن قلنا: إنه نفس التصديق وكونه إذا نقص يكون ظنا أو شكا ويخرج عن كونه إيمانا وتصديقا مما لا ظن ولا شك في أنه على إطلاقه ممنوع. نعم قد يكون التصديق بمرتبة إذا نزل عنها يخرج عن كونه تصديقا وذاك مما لا نزاع لأحد في أنه لا يقبل النقصان مع بقاء كونه تصديقا، وإلى هذا أشار بعض المحققين.
* (وقالوا حسبنا الله) * أي محسبنا وكافينا من أحسبه إذا كفاه، والدليل على أن حسب بمعنى محسب اسم فاعل وقوعه صفة للنكرة في هذا رجل حسبك مع إضافته إلى ضمير المخاطب فلولا أنه اسم فاعل وإضافته لفظية لا تفيده تعريفا كإضافة المصدر ما صح كونه صفة لرجل كذا قالوا، ومنه يعلم أن المصدر المؤل باسم الفاعل له حكمه في الإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة التي قبلها.
* (ونعم الوكيل) * أي الموكول إليه ففعيل بمعنى مفعول والمخصوص بالمدح محذوف هو ضميره تعالى، والظاهر عطف هذه الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية التي قبلها، والواو إما من الحكاية أو من المحكي فإن كان الأول وقلنا بجواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب لكونهما حينئذ في حكم المفردين فأمر العطف ظاهر من غير تكلف التأويل لأن الجملة المعطوف عليها في محل نصب مفعول قالوا لكن القول بجواز هذا العطف بدون التأويل عند الجمهور ممنوع لا بد له من شاهد ولم يثبت. وإن كان الثاني وقلنا بجواز عطف الإنشاء على الإخبار مطلقا - كما ذهب إليه الصفار - أو قلنا: بجواز عطف القصة على القصة أعني عطف حاصل مضمون إحدى الجملتين على حاصل مضمون الأخرى من غير نظر إلى اللفظ - كما أشار إلى ذلك العلامة الثاني - فالأمر أيضا ظاهر، وإن قلنا: بعدم جواز ذلك - كما ذهب إليه الجمهور - فلا بد من التأويل إما في جانب المعطوف عليه أو في جانب المعطوف، والذاهبون إلى الأول قالوا: إن الجملة الأولى وإن كانت خبرية صورة لكن المقصود منها إنشاء التوكل أو الكفاية لا الإخبار بأنه تعالى كاف في نفس الأمر، والذاهبون إلى الثاني اختلفوا فمنهم من قدر قلنا أي - وقلنا نعم الوكيل -.
واعترض بأنه تقدير لا ينساق الذهن إليه ولا دلالة للقرينة عليه مع أنه لا يوجد بين الإخبار بأن الله تعالى كافيهم والإخبار بأنهم قالوا - نعم الوكيل - مناسبة معتد بها يحسن بسببها العطف بينهما، ومنهم من جعل مدخول الواو معطوفا على ما قبله بتقدير المبتدأ إما مؤخرا لتناسب المعطوف عليه فإن حسبنا خبر، والله مبتدأ بقرينة ذكره في المعطوف عليه ومجىء حذفه في الاستعمال وانتقال الذهن إليه، وإما مقدما رعاية لقرب المرجع مع ما سبق.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»