والمختلفين والقصد التعريض بالطائفة الأخيرة، وقيل: الخطاب لها و * (أولياءه) * إذ ذاك من وضع الظاهر موضع المضمر نعيا عليهم بأنهم أولياء الشيطان؛ واستظهر بعضهم هذا القيل مطلقا معللا له بأن الخارجين لم يخافوا إلا الله تعالى وقالوا حسبنا الله وأنت تعلم أن قيام احتمال التعريض يمرض هذا التعليل، والفاء لترتيب النهي أو الانتهاء على ما قبلها فإن كون المخوف شيطانا أو قولا له مما يوجب عدم الخوف والنهي عنه، وأثبت أبو عمرو ياء * (وخافون) * وصلا وحذفها وقفا والباقون يحذفونها مطلقا وهي ضمير المفعول.
وقوله تعالى: * (إن كنتم مؤمنين) * إن كان الخطاب للمتخلفين فالأمر فيه واضح، وإن كان للخارجين كان مساقا للإلهاب والتهييج لهم لتحقق إيمانهم، وإن كان للجميع ففيه تغليب، وأيا ما كان فالجزاء محذوف، وقيل: إن كان الخطاب فيما تقدم للمؤمنين الخلص لم يفتقر إلى الجزاء لكونه في معنى التعليل، وإن كان للآخرين افتقر إليه وكأن المعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله تعالى على خوف الناس.
هذا ومن باب الإشارة: في الآيات * (ولئن قتلتم في سبيل الله) * بسيف المحبة * (أو متم) * بالموت الاختباري * (لمغفرة) * أي ستر لوجودكم * (من الله ورحمة) * منه تعالى بتحليكم بصفاته عز وجل * (خير مما يجمعون) * (آل عمران: 157) أي أهل الكثرة * (فبما رحمة من الله) * أي باتصافك برحمة رحيمية أي رحمة تابعة لوجودك الموهوب الإلهي لا الوجود البشري * (لنت لهم ولو كنت فظا) * موصوفا بصفات النفس كالفظاظة والفلط * (لانفضوا من حولك) * ولم يتحملوا مؤنة ذلك، أو يقال: لو لم تغلب صفات الجمال فيك على نعوت الجلال لتفرقوا عنك ولماصبروا معك، أو يقال: لو سقيتهم صرف شراب التوحيد غير ممزوج بما فيه لهم حظ لتفرقوا هائمين على وجوههم غير مطيقين الوقوف معك لحظة؛ أو يقال: لو كنت مدققا عليهم أحكام الحقائق لضاقت صدورهم ولم يتحملوا أثقال حقيقة الآداب في الطريق ولكن سامحتهم بالشريعة والرخص * (فاعف عنهم) * فيما يتعلق بك من تقصيرهم معك لعلو شأنك وكونك لا ترى في الوجود غير الله * (واستغفر لهم) * فيما يتعلق بحق الله تعالى لاعتذارهم أو استغفر لهم ما يجري في صدورهم من الخطرات التي لا تليق بالمعرفة * (وشاورهم في الأمر) * إذا كنت في مقام الفعل اختبارا لهم وامتحانا لمقامهم * (فإذا عزمت) * وذلك إذا كنت في مقام مشاهدة الربوبية والخروج من التفرقة إلى الجمع * (فتوكل على الله) * (آل عمران: 159) فإنه حسبك فيما يريد منك وتريد منه، وذكر بعض المتصوفة أنه يمكن أن يفهم من الآية كون الخطاب مع الروح الإنساني وأنه لان لصفات النفس وقواها الشهوية والغضبية لتستوفي حظها ويرتبط بذلك بقاء النسل وصلاح المعاش ولولا ذلك لاضمحلت تلك القوى وتلاشت واختلت الحكمة وفقدت الكمالات التي خلق الإنسان لأجلها * (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) * (آل عمران: 160) تحقيق لمعنى التوكل والتوحيد في الأفعال.
وقد ذكر بعض السادة قدس الله تعالى أسرارهم إن نصر الله تعالى لعباده متفاوت المراتب، فنصره المريدين بتوفيقهم لقمع الشهوات، ونصره المحبين بنعت المدانات، ونصره العارفين بكشف المشاهدات، وقد قيل: إنما يدرك نصر الله تعالى من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه في جميع أسبابه و * (ما كان لنبي أن يغل) * (آل عمران: 161) لكمال قدسه وغاية أمانته فلم يخف حق الله تعالى عن عباده وأعطى علم الحق لأهل الحق ولم يضع أسراره إلا عند الأمناء من أمته * (أفمن اتبع رضوان الله) * أي النبي في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات لاتصافه بصفات