تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٣
ما يترتب على تلك المسارعة من مراغمة المؤمنين وإيصال المضرة إليهم إلا أنه عبر بذلك مبالغة في النهي. والمراد لا يحزنك خوف أن يضروك ويعينوا عليك، ويدل على ذلك إيلاء قوله تعالى:
* (إنهم لن يضروا الله شيئا) * ردا وإنكارا لظن الخوف، والكلام على حذف مضاف، والمراد أولياء الله مثلا للقرينة العقلية عليه، وفي حذف ذلك وتعليق نفي الضرر به تعالى تشريف للمؤمنين وإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وتعالى، وفي ذلك مزيد مبالغة في التسلية، و * (شيئا) * في موضع المصدر أي لن يضروه ضررا ما، وقيل: مفعول بواسطة حرف الجر أي لن يضروه بشيء ما أصلا، وتأويل يضروا بما يتعدى بنفسه إلى مفعولين مما لا داعي إليه، ولعل المقام يدعو إلى خلافه، وقرأ نافع - يحزن - بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن إلا قوله تعالى: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * (الأنبياء: 103) فإنه فتحها وضم الزاي، وقرأ الباقون كما قرأ نافع في المستثنى. وقرأ أبو جعفر عكس ما قرأ نافع، والماضي على قراءة الفتح حزن، وعلى قراءة الضم من أحزن، ومعناهما واحد إلا أن حزن لغة قليلة، وقيل: حزنته بمعنى أحدثت له حزنا، وأحزنته بمعنى عرضته للحزن، وقال الخليل: خزنته بمعنى جعلت فيه حزنا كدهنته بمعنى جعلت فيه دهنا، وأحزنته بمعنى جعلته حزينا. وقرىء يسرعون بغير ألف من أسرع ويسارعون بالإمالة والتفخيم.
* (يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة) * استئناف لبيان الموجب لمسارعتهم كأنه قيل: لم يسارعون في الكفر مع أنهم لا ينتفعون به؟ فأجيب بأنه تعالى يريد أن لا يجعل لهم نصيبا ما من الثواب في الآخرة فهو يريد ذلك منهم فكيف لا يسارعون، وفيه دليل على أن الكفر بإرادة الله تعالى وإن عاقب فاعله وذمه لأن ذلك لسوء استعداده المقتضي إفاضة ذلك عليه، وذكر بعض المحققين أن في ذكر الإرادة إيذانا بكمال خلوص الداعي إلى حرمانهم وتعذبيهم حيث تعلقت بهما إرادة أرحم الراحمين، وزعم بعضهم أنه مبني على مذهب الاعتزال وليس كذلك كما لا يخفى لأنه لم يقل لم يرد كفرهم ولا رمز إليه، وصيغة المضارع للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها، ويرجع إلى دوام واستمرار منشأ هذا المراد وهو الكفر ففيه إشارة إلى بقائهم على الكفر حتى يهلكوا فيه.
* (ولهم) * مع هذا الحرمان من الثواب بالكلية * (عذاب عظيم) * لا يقدر قدره، نقل عن بعضهم أنه لما دلت المسارعة في الشيء على عظم شأنه وجلالة قدره عند المسارع وصف عذابه بالعظم رعاية للمناسبة وتنبيها على حقارة ما سارعوا فيه وخساسته في نفسه، وقيل: إنه لما دل قوله تعالى: * (إنهم لن يضروا الله شيئا) * على عظم قدر من قصدوا إضراره وصف العذاب بالعظم إيذانا بأن قصد إضرار العظيم أمر عظيم يترتب عليه العذاب العظيم، والجملة إما حال من الضمير في لهم أي يريد الله تعالى حرمانهم من الثواب معدا لهم عذاب عظيم، وإما مبتدأة مبينة لحظهم من العذاب إثر بيان أن لا شيء لهم من الثواب. وزعم بعضهم أن هاتين الجملتين في موضع التعليل للنهي السابق، وأن المعنى ولا يحزنك أنهم يسارعون في إعلاء الكفر وهدم الإسلام لا خوفا على الإسلام ولا ترحما عليهم أما الأول: لن يضروا الله شيئا فلا يقدرون على هدم دينه الذي يريد إعلاءه، وحينئذ لا حاجة إلى إرادة أولياء الله، وأما الثاني: فلأنه يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم. واستأنس له بأنه كثيرا ما وقع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إيقاعه نفسه الكريمة في المشقة لهدايتهم
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»