تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٤
من فوات محبوب من نعيمها، وهو وجه وجيه. والمراد بيان دوام انتفاء ذلك لا بيان انتفاء دوامه كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا فإن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام؛ وقد تقدمت الإشارة إليه.
* (يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) *.
* (يستبشرون) * مكرر للتأكيد وليتعلق به قوله تعالى: * (بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) * فحينئذ يكون بيانا وتفسيرا لقوله سبحانه: * (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (آل عمران: 170) لأن الخوف غم يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء، والحزن غم يلحقه من فوات نافع أو حصول ضار فمن كان متقلبا في نعمة من الله تعالى وفضل منه سبحانه فلا يحزن أبدا، ومن جعلت أعماله مشكورة غير مضيعة فلا يخاف العاقبة، ويجوز أن يكون بيان ذلك النفي بمجرد قوله جل وعلا: * (بنعمة من الله وفضل) * من غير ضم ما بعده إليه، وقيل: الاستبشار الأول: بدفع المضار ولذا قدم، والثاني: بوجود المسار أو الأول: لإخوانهم، والثاني: لهم أنفسهم، ومن الناس من أعرب يستبشرون بدلا من الأول ولذا لم تدخل واو العطف عليه، ومن الله متعلق بمحذوف وقع صفة - لنعمة - مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وجمع - الفضل والنعمة - مع أنهما كثيرا ما يعبر بهما عن معنى واحد إما للتأكيد وإما للإيذان بأن ما خصهم به سبحانه ليس نعمة على قدر الكفاية من غير مضاعفة سرور ولذة، بل زائد عليها مضاعف فيها ذلك، ونظيره قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (يونس: 26) وعطف * (وأن) * على فضل أو على نعمة وعلى التقديرين مضمون ما بعدها داخل في المستبشر به.
وقرأ الكسائي * (وإن) * بكسر الهمزة على أنه تذييل لمضمون ما قبله من الآيات السابقة، أو اعتراض بين التابع والمتبوع بناءا على أن الموصول الآتي تابع للذين لم يلحقوا، والمراد من المؤمنين إما الشهداء والتعبير عنهم بذلك للإعلام بسمو مرتبة الإيمان وكونه مناطا لما نالوه من السعادة، وإما كافة المؤمنين، وذكرت توفية أجورهم وعدت من جملة المستبشر به على ما اقتضاه العطف بحكم الأخوة في الدين، واختار هذا الوجه كثير. ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد أن هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء وقل ما ذكر الله تعالى فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم إلا ذكر سبحانه ما أعطى الله تعالى المؤمنين من بعدهم، وفي الآية إشعار بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة.
* (الذين استجابوا لله والرسول من بعد مآ أص‍ابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) *.
* (الذين استجابوا) * أي أطاعوا * (لله والرسول) * بامتثال الأوامر * (من بعد ما أصابهم القرح) * أي نالهم الجراح يوم أحد، والموصول في موضع جر صفة للمؤمنين أو في موضع نصب بإضمار أعني، أو في موضع رفع على إضمارهم، " أو مبتدأ أول وخبره جملة قوله تعالى: * (للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) * قال الطبرسي وهو الأشبه ": ومنهم حال من الضمير في أحسنوا ومن للتبعيض - وإليه ذهب بعضهم - وذهب غير واحد إلى أنها للبيان، فالكلام حينئذ فيه تجريد جرد من الذين استجابوا لله والرسول المحسن المتقي، والمقصود من الجمع بين الوصفين المدح والتعليل لا التقييد لأن المستجيبين كلهم محسنون ومتقون، قال ابن إسحق وغيره: لما كان يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال وكانت وقعة أحد يوم السبت للنصف منه أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلب العدو وأن لا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن حزام فقال: يا رسول الله إن
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»