لفخامتها، والمراد منها السلامة - كما قاله ابن عباس - أو الثبات على الإيمان وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم - كما قاله الزجاج - أو إذلالهم أعداء الله تعالى على بعد كما قيل، أو مجموع هذه الأمور على ما نقول * (وفضل) * وهو الربح في التجارة، فقد روى البيهقي عن ابن عباس أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالا فقسمه بين أصحابه فذلك الفضل.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج في غزوة بدر الصغرى ببدر أصحابه دراهم ابتاعوا بها في الموسم فأصابوا تجارة، وعن مجاهد الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر * (لم يمسسهم سوء) * أي لم يصبهم قتل - وهو المروي عن السدي - أو لم يؤذهم أحد - وهو المروي عن الحبر - والجملة في موضع النصب على الحال من فاعل - انقلبوا - أو من المستكن في * (بنعمة) * إذا كان حالا والمعنى فانقلبوا منعمين مبرئين من السوء، والجملة الحالية إذا كان فعلها مضارعا منفيا بلم وفيها ضمير ذي الحال جاز فيها دخول الواو وعدمه * (واتبعوا) * عطف على - انقلبوا - وقيل: حال من ضميره بتقدير قد أي وقد اتبعوا في كل ما أوتوا، أو في الخروج إلى لقاء العدو * (رضوان الله) * الذي هو مناط كل خير.
* (والله ذو فضل عظيم) * حيث تفضل عليهم بما تفضل، وفيما تقدم مع تذييله بهذه الآية المشتملة على الاسم الكريم الجامع وإسناد * (ذو فضل) * إليه ووصف الفضل بالعظم إيذان بأن المتخلفين فوتوا على أنفسهم أمرا عظيما لا يكتنه كنهه وهم أحقاء بأن يتحسروا عليه تحسرا ليس بعده.
* (إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) *.
* (إنما ذلكم) * الإشارة إلى المثبط بالذات أو بالواسطة، والخطاب للمؤمنين وهو مبتدأ، وقوله: * (الشيطان) * بمعنى إبليس لأنه علم له بالغلبة خبره على التشبيه البليغ، وقوله تعالى: * (يخوف أولياءه) * جملة مستأنفة مبينة لشيطنته، أو حال كما في قوله تعالى: * (فتلك بيوتهم خاوية) * (النمل: 52). ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة على التشبيه أيضا، ويحتمل أن يكون مجازا حيث جعله هو ويخوف هو الخبر، وجوز أن يكون ذا إشارة إلى قول المثبط فلا بد حينئذ من تقدير مضاف أي قول الشيطان، والمراد به إبليس أيضا ولا تجوز فيه على الصحيح، وإنما التجوز في الإضافة إليه لأنه لما كان القول بوسوسته وسببه جعل كأنه قوله، والمستكن في * (يخوف) * إما للمقدر وإما للشيطان بحذف الراجع إلى المقدر أي يخوف به، والمراد بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابه، فالمفعول الأول ليخوف محذوف أي يخوفكم أولياءه بأن يعظمهم في قلوبكم، ونظير ذلك قوله تعالى: * (لينذر بأسا شديدا) * (الكهف: 2) وبذكر هذا المفعول قرأ ابن عباس. وقرأ بعضهم (يخوفكم بأوليائه)، وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين، وإليه ذهب الزجاج وأبو علي الفارسي وغيرهما، ويؤيده قوله تعالى:
* (فلا تخافوهم) * أي فلا تخافوا أولياءه الذين خوفكم إياهم * (وخافون) * في مخالفة أمري، وإما المتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولياءه هو المفعول الأول والمفعول الثاني إما متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف، أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه؛ وعلى هذا لا يصح عود ضمير * (تخافوهم) * إلى الأولياء بل هو راجع إلى * (الناس) * (آل عمران: 173) الثاني كضمير - اخشوهم - فهو رد له أي فلا تخافوا الناس وتقعدوا عن القتال وتجبنوا وخافون فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى امتثال ما يأمركم به، وإلى هذا الوجه ذهب الحسن والسدي، وادعى الطيبي أن النظم يساعد عليه، والخطاب حينئذ لفريقي الخارجين