تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٩
حق الإيمان * (وتتقوا) * المخالفة في الأمر والنهي أو تتقوا النفاق * (فلكم) * بمقابلة ذلك فضلا من الله تعالى * (أجر عظيم) * لا يكتنه ولا يحد في الدنيا والآخرة.
* (ولا يحسبن الذين يبخلون بمآ ءات‍اهم الله من فضله هو خيرا لهم) * بيان لحال البخل وسوء عاقبته وتخطئة لأهله في دعواهم خيريته حسب بيان حال الإملاء وبهذا ترتبط الآية بما قبلها. وقيل: وجه الارتباط أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل الأرواح في الجهاد وغيره شرع ههنا في التحريض على بذل المال وبين الوعيد الشديد لمن يبخل وإيراد ما بخلوا به بعنوان إيتاء الله تعالى إياه من فضله للمبالغة في بيان سوء صنيعهم فإن ذلك من موجبات بذله في سبيله سبحانه وفعل الحسبان مسند إلى الموصول والمفعول الأول محذوف لدلالة الصلة عليه. واعترض بأن المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين من جهة العامل فيه ومن جهة كونه أحد جزأي الجملة فلما تكرر طلبه امتنع حذفه ونقض ذلك بخبر كان فإنه مطلوب من جهتين أيضا ولا خلاف في جواز حذفه إذا دل عليه دليل.
ونقل الطيبي عن صاحب " الكشاف " أن حذف أحد مفعولي حسب إنما يجوز إذا كان فاعل حسب ومفعولاه شيئا واحدا في المعنى كقوله تعالى: * (ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * (آل عمران: 169) على القراءة بالياء التحتية، ثم قال: وهذه الآية ليست كذلك فلا بد من التأويل بأن يقال: إن (الذين يبخلون) الفاعل لما اشتمل على البخل كان في حكم اتحاد الفاعل والمفعول ولذلك حذف، وقيل: إن الزمخشري كنى عن قوة القرينة بالاتحاد الذي ذكره وكلا القولين ليسا بشيء، والصحيح أن مدار صحة الحذف القرينة فمتى وجدت جاز الحذف ومتى لم توجد لم يجز. والقول بأن هو ضمير رفع استعير في مكان المنصوب وهو راجع إلى البخل أو الايتاء على أنه مفعول أولا تعسف جدا لا يليق بالنظم الكريم - وإن جوزه المولى عصام الدين تبعا لأبي البقاء - حتى قال في " الدر المصون ": إنه غلط، والصحيح أنه ضمير فصل بين مفعولي حسب لا توكيد للمظهر كما توهم، وقيل: الفعل مسند إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو ضمير من يحسب، والمفعول الأول هو الموصول بتقدير مضاف أي بخل الذين، والثاني * (خيرا) * كما في الوجه الأول وهو خلاف الظاهر، نعم إنه متعين على قراءة الخطاب. وعلى كل تقدير يقدر بين الباء ومجرورها مضاف أي لا يحسبن، أو لا تحسبن الذين يبخلون بإنفاق أو زكاة ما آتاهم الله من فضله هو صفة حسنة أو خيرا لهم من الانفاق.
* (بل هو شر) * عظيم * (لهم) * والتنصيص على ذلك مع علمه مما تقدم للمبالغة * (سيطوقون ما بخلوا به يوم القي‍امة) * بيان لكيفية شريته لهم، والسين مزيدة للتأكيد، والكلام عند الأكثرين إما محمول على ظاهره، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله تعالى مالاف فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ". وأخرج غير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله تعالى إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه " ثم قرأ الآية.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»