فلعمري إن حال الشهداء وحياتهم وراء ذلك.
* (فرحين بمآ ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *.
* (فرحين) * جوز أن يكون حالا من الضمير في * (يرزقون) * (آل عمران: 169) أو من الضمير في * (أحياء) * أو من الضمير في الظرف، وأن يكون نصبا على المدح، أو الوصفية لإحياء في قراءة النصب ومعناه مسرورين * (بما ءاتاهم الله) * بعد انتقالهم من الدنيا * (من فضله) * متعلق بآتاهم، ومن إما للسببية أو لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف العائد على الموصول، ومن للتبعيض والتقدير بما آتاهموه حال كونه كائنا بعض فضله. والمراد بها المؤتى ضروب النعم التي ينالها الشهداء يوم القيامة أو بعد الشهادة أو نفس الفوز بالشهادة في سبيل الله تعالى:
* (ويستبشرون) * أي يسرون بالبشارة، وأصل الاستبشار طلب البشارة وهو الخبر السار إلا أن المعنى هنا على السرور استعمالا للفظ في لازم معناه وهو استئناف أو معطوف على * (فرحين) * لتأويله بيفرحون. وجوز أن يكون التقدير وهم يستبشرون فتكون الجملة حالا من الضمير في * (فرحين) * أو من ضمير المفعول في * (آتاهم) * وإنما احتيج إلى تقدير مبتدأ عند جعلها حالا لأن المضارع المثبت إذا كان حالا لا يقترن بالواو.
* (بالذين لم يلحقوا بهم) * أي باخوانهم الذين لم يقتلوا بعد في سبيل الله تعالى فيلحقوا بهم * (من خلفهم) * متعلق بيلحقوا والمعنى أنهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم. يجوز أن يكون حالا من فاعل * (يلحقوا) * أي لم يلحقوهم متخلفين عنهم باقين بعد في الدنيا.
* (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * بدل من الذين بدل اشتمال مبين لكون استبشارهم بحال إخوانهم لا بذواتهم أي يستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم أحياء وهو أنهم عند قتلهم في سبيل الله تعالى يفوزون كما فازوا ويحوزون من النعيم كما حازوا، وإلى هذا ذهب ابن جريج وقتادة، وقيل: إنه منصوب بنزع الخافض أي لئلا، أو بأن لا وهو معمول ليستبشرون واقع موقع المفعول من أجله أي يستبشرون بقدوم إخوانهم الباقين بعدهم إليهم لأنهم لا خوف عليهم الخ، فالاستبشار حينئذ ليس بالأحوال.
ويؤيد هذا ما روي عن السدي أنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشر بذلك فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا، فضمير، عليهم وما بعده على هذا راجع إلى الذين الأول، وعلى الأول إلى الثاني، ومن الناس من فسر - الذين لم يلحقوا - بالمتخلفين في الفضل عن رتبة الشهداء وهم الغزاة الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى ولم يقتلوا بل بقوا حتى ماتوا في مضاجعهم، فإنهم وإن لم ينالوا مراتب الشهداء إلا أن لهم أيضا فضلا عظيما بحيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لمزيد فضل الجهاد، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر من الآية وإن كان فضل الغزاة وإن لم يقتلوا مما لا يتناطح فيه كبشان، وأن على كل تقدير هي المخففة واسمها ضمير الشأن وخبرها الجملة المنفية، والمعنى لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم فإن الله تعالى يتولاهم ولا هم يحزنون على ما خلفوا من أموالهم لأن الله تعالى قد أجزل لهم العوض، أو لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه لأن الله تعالى محص ذنوبهم بالشهادة ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة، أو لا خوف عليهم في الدنيا من القتل فإنه عين الحياة التي يجب أن يرغب فيها فضلا عن أن يخاف ويحذر ولا هم يحزنون على المفارقة، وقيل: إن كلا هذين المنفيين فيما يتعلق بالآخرة، والمعنى أنهم لا يخافون وقوع مكروه من أهوالها، ولا يحزنون