تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١١٧
الكلمة ليضر استشهاد المختارين للخروج في المقصود لجواز أن يكون من قبيل قولك لقبيلة: أنتم قتلتم فلانا والقاتل منهم أناس مخصوصون لم يوجدوا وقت الخطاب، ومثل ذلك كثير في المحاورات على أن كون مصيبة المتفوهين هي قتل أولئك المستشهدين نص في التأسف عليهم فيناسبه التعريض بهم بنسبة القصور إليهم ليهون هذا التأسف وليعلموا أن شؤم الانحراف عن سمت إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعم الكبير والصغير بل ربما يقال: إن استشهاد أولئك المصرين شاهد على أنهم هم الذين كانوا سببا في تلك المصيبة ولهذا استشهدوا ليذهبوا إلى ربهم على أحسن حال. هذا ولا يخفى أن هذا الجواب لا يخلو عن تكلف وكأن الداعي إليه أن الذاهبين إلى تفسير * (من عند أنفسكم) * بالخروج من المدينة وتبعية أبي سفيان وقومه جماعة أجلاء يبعد نسبة الغلط إليهم، فقد أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن وابن جريج، وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس فتدبر.
* (إن الله على كل شيء قدير) * ومن جملته النصر عند الموافقة والخذلان عند المخالفة، وحيث خالفتم أصابكم سبحانه بما أصابكم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها داخل تحت الأمر، وقيل: المراد منها تطييب أنفسهم ومزج مرارة التقريع بحلاوة الوعد أي أنه سبحانه قادر على نصرتكم بعد لأنه على كل شيء قدير فلا تيأسوا من روح الله واعتناءا بشأن التطييب وإرشادا لهم إلى حقيقة الحال فيما سألوا عنه وبيانا لبعض ما فيه من الحكم ورفعا لما عسى أن يتوهم من الجواب من استقلالهم في وقوع الحادثة رجع إلى خطابهم برفع الواسطة وجواب سؤالهم بأبسط عبارة [بم فقال سبحانه:
* (ومآ أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين) *.
* (ومآ أصابكم) * أيها المؤمنون من النكبة بقتل من قتل منكم * (يوم التقى الجمعان) * أي جمعكم وجمع أعدائكم المشركين، والمراد بذلك اليوم يوم أحد، وقول بعضهم - لا يبعد أن يراد به يوم أحد ويوم بدر - بعيد جدا * (فبإذن الله) * أي بإرادته، وقيل: بتخليته؛ وما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء، وجملة أصابكم صلته - وبإذن الله - خبره. والمراد بإذن الله يكون ويحصل، ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط، ووجه السببية ليس بظاهر إذ الإصابة ليست سببا للإرادة ولا للتخلية بل الأمر بالعكس فهو من قبيل * (وما بكم من نعمة فمن الله) * (النحل: 53) أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب وقد يكون للطالب وكذا الإخبار، وإلى هذا ذهب كثير من المحققين، وادعى السمين أن في الكلام إضمارا أي فهو بإذن الله، ودخول الفاء لما تقدم ثم قال: وهذا مشكل على ما قرره الجمهور لأنه لا يجوز عندهم دخول هذه الفاء زائدة في الخبر إلا بشروط، منها أن تكون الصلة مستقبلة في المعنى وذلك لأن الفاء إنما دخلت للشبه بالشرط، والشرط إنما يكون في الاستقبال لا في الماضي، فلو قلت: الذي أتاني أمس فله درهم لم يصح، وأصابكم هنا ماض معنى كما أنه ماض لفظا لأن القصة ماضية فكيف جاز دخول هذه الفاء؟ وأجابوا عنه بأنه يحمل على التبين أي وما يتبين إصابته إياكم فهو بإذن الله كما تأولوا * (إن كان قميصه قد من دبر) * (يوسف: 27) بذلك، ثم قال: وإذا صح هذا التأويل فليجعل * (ما) * هنا شرطا صريحا وتكون الفاء داخلة وجوبا لكونها واقعة جوابا للشرط انتهى، ولا يخفى ما فيه * (وليعلم المؤمنين) * عطف على بإذن الله - من عطف السبب على المسبب، والمراد ليظهر للناس ويثبت لديهم إيمان المؤمن.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»