وحاصل المعنى على هذا أن أرواح الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في مرضاة الله تعالى، أو قتلهم الشوق إليه عز شأنه تتمثل صورا حسنة ناعمة طرية يستحسنها من رآها تطير بجناحي القبول والرضا في أنواع التجليات الإلهية وتكتسب بذلك أنواعا من اللذائذ المعنوية التي لا يقدر قدرها ويتجدد لها في مقدار كل ليلة مقام جليل لا ينال إلا بمثل أعمالهم، وذلك هو النعيم المقيم والفوز العظيم، وكأن من أول هذا الخبر وأمثاله قصد سد باب التناسخ ولعله بالمعنى الذي يقول به أهل الضلال غير لازم كما أشرنا إليه في آية البقرة.
* (فرحين بما آتاهم الله من فضله) * من الكرامة والنعمة والزلفى عنده * (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) * وهم الغزاة الذين لم يقتلوا بعد، أو السالكون المجاهدون أنفسهم الذين لم يبلغوا درجتهم إلى ذلك الوقت * (أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (آل عمران: 170) لفوزهم بالمأمن الأعظم، والحبيب الأكرم * (يستبشرون بنعمة من الله) * عظيمة وهي جنة الصفات * (وفضل) * أي زيادة عليها وهي جنة الذات، * (و) * مع ذلك إن * (الله لا يضيع أجر) * إيمان * (المؤمنين) * (آل عمران: 171) الذي هو جنة الأفعال وثواب الأعمال * (الذين استجابوا لله والرسول) * بالفناء بالوحدة الذاتية والقيام بحق الاستقامة * (من بعد ما أصابهم القرح) * أي كسر النفس * (للذين أحسنوا منهم) * وهم الثابتون في مقام المشاهدة * (واتقوا) * النظر إلى نفوسهم لهم * (أجر عظيم) * (آل عمران: 172) وراء أجر الإيمان * (الذين قال لهم الناس) * المنكرون قبل الوصول إلى المشاهدة * (إن الناس قد جمعوا لكم) * وتحشدوا للإنكار عليكم * (فاخشوهم) * وانزكوا ما أنتم عليه * (فزادهم) * ذلك القول * (إيمانا) * أي يقينا وتوحيدا بنفي الغير وعدم المبالاة به وتوصلوا بنفي ما سوى الله تعالى إلى إثباته * (وقالوا حسبنا الله) * فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالاستقامة * (و) * قالوا * (نعم الوكيل) * (آل عمران: 173) * (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) * أي رجعوا بالوجود الحقاني في جنة الصفات والذات * (لم يمسسهم سوء) * لم يؤذهم أحد إذ لا أحد إلا الأحد * (واتبعوا رضوان الله) * في حال سلوكهم حتى فازوا بجنة الذات المشار إليها بقوله تعالى: * (والله ذو فضل عظيم) * (آل عمران: 174) كما أشرنا إليه * (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) * المحجوبين بأنفسهم - فلا تخافوا - المنكرين * (وخافون) * إذ ليس في الوجود سواى * (إن كنتم مؤمنين) * (آل عمران: 175) أي موحدين توحيدا حقيقيا والله تعالى الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* (ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الاخرة ولهم عذاب عظيم) * * (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه إليه تشريفا له بالتسلية مع الإيذان بأنه الرئيس المعتنى بشؤونه. والمراد من الموصول إما المنافقون المتخلفون - وإليه ذهب مجاهد وابن إسحق - وإما قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام لمقاربة عبدة الأوثان - وإليه ذهب أبو علي الجبائي - وإما سائر الكفار - وإليه ذهب الحسن - وإما المنافقون وطائفة من اليهود حسبما عين في قوله تعالى: * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا) * (المائدة: 41) - وإليه ذهب بعضهم - ومعنى: * (يسارعون في الكفر) * يقعون فيه سريعا لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه، ولتضمن المسارعة معنى الوقوع تعدت بفي دون إلى الشائع تعديتها بها كما في * (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة) * (آل عمران: 133) وغيره، وأوثر ذلك قيل: للإشعار باستقرارهم في الكفر ودوام ملابستهم له في مبدأ المسارعة ومنتهاها كما في قوله سبحانه: * (يسارعون في الخيرات) * (الأنبياء: 90) في حق المؤمنين، وأما إيثار كلمة إلى في آيتها فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة وغايتها والموصول فاعل * (يحزنك) * وليست الصلة علة لعدم الحزن كما هو المعهود في مثله لأن الحزن من الوقوع في الكفر هو الأمر اللائق لأنه قبيح عند الله تعالى يجب أن يحزن من مشاهدته فلا يصح النهي عن الحزن من ذلك، بل العلة هنا