الله تعالى * (كمن باء بسخط من الله) * وهو الغال المحتجب بصفات نفسه * (ومأواه جهنم) * (آل عمران: 162) وهي أسفل حضيض النفس المظلمة * (هم درجات عند الله) * (آل عمران: 163) أي كل من أهل الرضا والسخط متفاوتون في المراتب حسب الاستعدادات * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) * (آل عمران: 164) إذ هو صلى الله عليه وسلم مرآة الحق يتجلى منه على المؤمنين ولو تجلى لهم صرفا لاحترقوا بأول سطوات عظمته، ومعنى كونه عليه الصلاة والسلام * (من أنفسهم) * كونه في لباس البشر ظاهرا بالصورة التي هم عليها وحمل المؤمنين على العارفين والرسول على الروح الإنساني المنور بنور الأسماء والصفات المبعوث لإصلاح القوى غير بعيد في مقام الإشارة * (أو لما أصابتكم مصيبة) * في أثناء السير في الله تعالى وهي مصيبة الفترة بالنسبة إليكم * (قد أصبتم) * قوى النفس * (مثليها) * مرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الأفعال ومرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الصفات * (قلتم أني) * أصابنا * (هذا) * ونحن في بيداء السير في الله تعالى عز وجل * (قل هو من عند أنفسكم) * (آل عمران: 165) لأنه بقي فيها بقية ما من صفاتها ولا ينافي قوله سبحانه: * (قل كل من عند الله) * (النساء: 78) لأن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق جل شأنه والسبب القابلي أنفسهم، ولا يفيض من الفاعل إلا ما يليق بالاستعداد ويقتضيه، فباعتبار الفاعل يكون من عند الله، وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم، وربما يقال ما يكون من أنفسهم أيضا يكون من الله تعالى نظرا إلى التوحيد إذ لا غير ثمة * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) * سواء قتلوا بالجهاد الأصغر وبذل الأنفس طلبا لرضا الله تعالى أو بالجهاد الأكبر وكسر النفس وقمع الهوى بالرياضة * (أمواتا بل أحياء عند ربهم) * بالحياة الحقيقية مقربين في حضرة القدس * (يرزقون) * (آل عمران: 169) من الأرزاق المعنوية وهي المعارف والحقائق، وقد ورد في بعض الأخبار أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، ونقل ذلك بهذا اللفظ بعض الصوفية، وجعل الطير الخضر إشارة إلى الأجرام السماوية، والقناديل من ذهب إشارة إلى الكواكب، وأنهار الجنة منابع العلوم ومشارعها، وثمارها الأحوال والمعارف. والمعنى أن أرواح الشهداء تتعلق بالنيرات من الأجرام السماوية بنزاهتها وترد مشارع العلوم وتكتسب هناك المعارف والأحوال، ولا يخفى أن هذا مما لا ينبغي اعتقاده كما أشرنا إليه فيما سبق فإن كان ولا بد من التأويل فليجعل الطير إشارة إلى الصور التي تظهر بها الأرواح بناءا على أنها جواهر مجردة، وأطلق اسم الطير عليها إشارة إلى خفتها ووصولها بسرعة حيث أذن لها. ونظير ذلك في الجملة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث: " الأطفال هم دعاميص الجنة " والدعاميص جمع دعموص وهي دويبة تكون في مستنقع الماء كثيرة الحركة لا تكاد تستقر، ومن المعلوم أن الأطفال ليسوا تلك الدويبة في الجنة لكنه أراد صلى الله عليه وسلم الإخبار بأنهم سياحون في الجنة فعبر بذلك على سبيل التشبيه البليغ، ووصف الطير بالخضرة إشارة إلى حسنها وطراوتها، ومنه خبر " إن الدنيا حلوة خضرة وقول عمر رضي الله تعالى عنه: إن الغزو حلو خضر، ومن أمثالهم النفس خضراء، وقد يريدون بذلك أنها تميل لكل شيء وتشتهيه، وأمر الظرفية في الخبر سهل، وباقي ما فيه إما على ظاهره، وأما مؤل، وعلى الثاني: يراد من الجنة الجنة المنوية وهي جنة الذات والصفات، ومن أنهارها ما يحصل من التجليات، ومن ثمارها ما يعقب تلك التجليات من الآثار، ومن القناديل المعلقة في ظل العرش مقامات لا تكتنه معلقة في ظل عرش الوجود المطلق المحيط، وكونها من ذهب إشارة إلى عظمتها وأنها لا تنال إلا بشق الأنفس.
(١٣١)