تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٢٢
الجمهور إلى أن لها محلا، واختلف أهو نصب أم رفع؟ فذهب الأخفش إلى الأول على أنها تمييز، والجملة بعدها في موضع نصب على الصفة، وفاعل بئس مضمر مفسر بها، والتقدير بئس هو شيئا اشتروا به، و * (أن يكفروا) * هو المخصوص بالذم والتعبير بصيغة المضارع لإفادة الاستمرار على الكفر فإنه الموجب للعذاب المهين، ويحتمل على هذا الوجه أن يكون المخصوص محذوفا، و (اشتروا) صفة له، والتقدير بئس شيء اشتروا به، و * (أن يكفروا) * بدل من المحذوف أو خبر مبتدأ محذوف، وذهب الكسائي إلى النصب على التمييز أيضا إلا أنه قدر بعدها (ما) أخرى موصولة هي المخصوص بالذم، و (اشتروا) صلتها، والتقدير بئس شيئا الذي اشتروا، وذهب سيبويه إلى الثاني على أنها فاعل (بئس) وهي معرفة تامة، والمخصوص محذوف أي: شيء اشتروا، وعزي هذا إلى الكسائي أيضا، وقيل: موصولة وهو أحد قولي الفارسي، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه وهو وهم، ونقل المهدوي عن الكسائي أن (ما) مصدرية والمتحصل فاعل (بئس) واعترض بأن (بئس) لا تدخل على اسم معين يتعرف بالإضافة إلى الضمير، ولك على هذا التقدير أن لا تجعل ذلك فاعلا بل تجعله المخصوص والفاعل مضمر والتمييز محذوف لفهم المعنى، والتقدير - بئس اشتراء اشتراؤهم - فلا يلزم الاعتراض، نعم يرد عود ضمير به على (ما) والمصدرية لا يعود عليها الضمير لأنها حرف عند غير الأخفش فافهم.
* (بغيا أن ينزل الله) * - البغي - في الأصل الظلم والفساد من قولهم - بغى - الجرح فسد قاله الأصمعي، وقيل: أصله الطلب، وتختلف أنواعه ففي طلب زوال النعمة حسد، والتجاوز على الغير ظلم، والزنا فجور، والمراد به هنا بمعونة المقام طلب ما ليس لهم فيؤل إلى الحسد، وإلى ذلك ذهب قتادة وأبو العالية والسدي، وقيل: الظلم وانتصابه على أنه مفعول له ليكفرون فيفيد أن كفرهم كان لمجرد العناد الذي هو نتيجة الحسد لا للجهل وهو أبلغ في الذم لأن الجاهل قد يعذر، وذهب الزمخشري إلى أنه علة (اشتروا) ورد بأنه يستلزم الفصل بالأجنبي وهو المخصوص بالذم وهو وإن لم يكن أجنبيا بالنسبة إلى فعل الذم وفاعله لكن لا خفاء في أنه أجنبي بالنسبة إلى الفعل الذي وصف به تمييز الفاعل، والقول بأن المعنى - على ذم ما باعوا به أنفسهم حسدا وهو الكفر لا على ذم ما باعوا به أنفسهم وهو الكفر حسدا - تحكم، نعم قد يقال: إنما يلزم الفصل بأجنبي إذا كان المخصوص مبتدأ خبره بئسما أما لو كان خبر مبتدأ محذوف - وهو المختار - فلا لأن الجملة حينئذ جواب للسؤال عن فاعل (بئس) فيكون الفصل بين المعلول وعلته بما هو بيان للمعلول ولا امتناع فيه، وجعله بعضهم علة ل‍ (اشتروا) محذوفا فرارا من الفصل، ومنهم من أعربه حالا ومفعولا مطلقا لمقدر أي بغوا بغيا، و * (أن ينزل) * إما مفعول من أجله للبغي أي حسدا لأجل تنزيل الله، وإما على إسقاط الخافض المتعلق بالبغي أي حسدا على أن ينزل والقول بأنه في موضع خفض على أنه بدل اشتمال من (ما) في قوله: * (بما أنزل الله) * بعيد جدا، وربما يقرب منه ما قيل: إنه في موضع المفعول الثاني، والبغي بمعنى طلب الشخص ما ليس له يتعدى إليه بنفسه تارة، وباللام أخرى، والمفعول الأول ههنا أعني محمدا عليه الصلاة والسلام محذوف لتعينه؛ وللدلالة على أن الحسد مذموم في نفسه كائنا ما كان المحسود - كما لا يخفى - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب * (ينزل) * بالتخفيف.
* (من فضله) * أراد به الوحي، و (من) لابتداء الغاية صفة لموصوف محذوف أي شيئا كائنا من فضله وجوز أبو البقاء أن تكون زائدة على مذهب الأخفش * (على من يشاء من عباده) * أي على من يختاره للرسالة، وفي " البحر " أن المراد به محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم، وكان من العرب ومن ولد إسماعيل - ولم يكن من ولده نبي سواه عليه الصلاة والسلام
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»