تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٢١
محذوف - أي كذبوا به مثلا - وعليه يكون * (وكانوا من قبل) * الخ مع ما عطف عليه من قوله تعالى: * (فلما جاءهم) * من الشرط، والجزاء جملة معطوفة على لما جاءهم بعد تمامها، تدل الأولى على معاملتهم مع الكتاب المصدق، والثانية مع الرسول المستفتح به، وارتضاه بعض المحققين - لما - في الأول من لزوم التأكيد - والتأسيس أولى منه - واستعمال الفاء للتراخي الرتبي فإن مرتبة المؤكد بعد مرتبة المؤكد، و - لما - في الثاني من دخول الفاء في جواب (لما) مع أنه ماض وهو قليل جدا حتى لم يجوزه البصريون ولو جوز وقوعها زائدة (فلما) لا تجاب بمثلها لا يقال - لما جاء زيد،، لما قعد عمرو أكرمتك - بل هو كما ترى تركيب معقود في لسانهم مع خلو الوجهين عن فائدة عظيمة وهو بيان سوء معاملتهم مع الرسول واستلزامهما جعل و (كانوا) حالا، واختار أبو البقاء إن (كفروا) جواب - لما - الأولى، والثانية ولا حذف لأن مقتضاهما واحد وليس بشيء كجعل * (فلعنة الله على الك‍افرين) *.
جوابا للأولى وما بينهما اعتراض واللام في الكافرين للعهد أي عليهم ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه، وجوز كونها للجنس ويدخلون فيه دخولا أوليا، واعترض بأن دلالة العام متساوية فليس فيها شيء أول ولا أسبق من شيء، والجواب أن المراد دخولا قصديا لأن الكلام سيق بالأصالة فيهم ويكون ذلك من الكناية الإيمائية ويصار إليها إذا كان الموصوف مبالغا في ذلك الوصف ومنهمكا فيه حتى إذا ذكر خطر ذلك الوصف بالبال كقولهم لمن يقتني رذيلة ويصر عليها - أنا إذا نظرتك خطر ببالي سبابك وسباب كل من هو من أبناء جنسك - فاليهود لما بالغوا في الكفر والعناد وكتمان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونعى الله تعالى عليهم ذلك صار الكفر كأنه صفة غير مفارقة لذكرهم وكان هذا الكلام لازما لذكرهم ورديفه وأنهم أولى الناس دخولا فيه لكونهم تسببوا استجلاب هذا القول في غيرهم وجعل السكاكي من هذا القبيل قوله:
إذا الله لم يسق إلا الكراما * فيسقي وجوه بني حنبل فإنه في إفادة كرم بني حنبل كما ترى لا خفاء فيه.
* (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بمآ أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشآء من عباده فبآءو بغضب على غضب وللك‍افرين عذاب مهين) * * (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله) * أي باعوا، فالأنفس بمنزلة المثمن، والكفر بمنزلة الثمن لأن أنفسهم الخبيثة لا تشترى بل تباع وهو على الاستعارة أي إنهم اختاروا الكفر على الإيمان وبذلوا أنفسهم فيه، وقيل: هو بمعناه المشهور لأن المكلف إذا خاف على نفسه من العقاب أتى بأعمال يظن أنها تخلصه فكأنه اشترى نفسه بها فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم من العقاب ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم وخلصوها فذمهم الله تعالى عليه، واعترض بأنه كيف يدعي أنهم ظنوا ذلك مع قوله تعالى: * (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) * (البقرة: 89) فإذا علموا مخالفة الحق كيف يظنون نجاتهم بما فعلوا وإرادة العقاب الدنيوي كترك الرياسة غير صحيح لأنه لا يشتري به الأنفس. ويمكن الجواب بأن المراد أنهم ظنوا على ما هو ظاهر حالهم من التصلب في اليهودية والخوف فيما يأتون ويذرون وادعاء الحقية فيه فلا ينافي عدم ظنهم في الواقع على ما تدل عليه الآية، والمراد بما أنزل الله الكتاب المصدق، وفي تبديل المجىء بالإنزال المشعر بأنه من العالم العلوي مع الإسناد إليه تعالى إيذان بعلو شأنه وعظمه الموجب للإيمان به، وقيل: يحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل وأن يراد الجميع، والكفر ببعضها كفر بكلها، واختلف في (ما) الواقعة بعد بئس ألها محل من الإعراب أم لا؟ فذهب الفراء إلى أنها لا محل لها وأنها مع بئس شيء واحد كحبذا، وذهب
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»