تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٢٧
* (فلم تقتلون) * إلى آخر الآيات المذكورة في رد دعواهم الإيمان، أو الجملة الإنشائية السابقة - إما بتأويل أو بلا تأويل - وتقرير ذلك: إن كنتم مؤمنين ما رخص لكم إيمانكم بالقبائح التي فعلكم، بل منع عنها فتناقضتم في دعواكم له فتكون باطلا، أو: إن كنتم مؤمنين بها فبئسما أمركم به إيمانكم بها أو فقد أمركم إيمانكم بالباطل، لكن الإيمان بها لا يأمر به فإذن لستم بمؤمنين، والملازمة بين الشرط والجزاء على الأول: بالنظر إلى نفس الأمر، وإبطال الدعوى بلزوم التناقض وعلى الثاني: تكون الملازمة بالنظر إلى حالهم من تعاطي القبائح مع ادعائهم الإيمان، والمؤمن من شأنه أن لا يتعاطى إلا ما يرخصه إيمانه، وإبطال التالي بالنظر إلى نفس الأمر، - واستظهر بعضهم في هذا - ونظائره كون الجزاء معرفة السابق أي: إن كنتم مؤمنين تعرفون أنه بئس المأمور به، وقيل: (إن) نافية، وقيل: للتشكيك - وإليه يشير كلام " الكشاف " - وفيه أن المقصد إبطال دعوتهم بإبراز إيمانهم القطعي العدم منزلة ما لا قطع بعدمه للتبكيت والإلزام - لا للتشكيك - على أنه لم يعهد استعمال (إن) لتشكيك السامع - كما نص عليه بعض المحققين - وقرأ الحسن ومسلم بن جندب - بهو إيمانكم - بضم الهاء ووصلها بواو -.
* (قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم ص‍ادقين) * * (قل إن كانت لكم الدار الآخرة) * رد لدعوى أخرى لهم بعد رد دعوى - الإيمان بما أنزل عليهم - ولاختلاف الغرض لم يعطف أحدهما على الآخر مع ظهور المناسبة المصححة للذكر، والآية نزلت - فيما حكاه ابن الجوزي - عندما قالت اليهود: إن الله تعالى لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه. وقال أبو العالية والربيع: سبب نزولها قولهم: * (لن يدخل الجنة) * (البقرة: 111) الخ و * (نحن أبناء الله) * (المائدة: 18) الخ و * (لن تمسنا النار) * (البقرة: 80) الخ، وروي مثله عن قتادة. والضمير في * (قل) * إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لمن يبغي إقامة الحجة عليهم، والمراد من (الدار الآخرة) الجنة - وهو الشائع - واستحسن في " البحر " تقدير مضاف أي: نعيم الدار الآخرة.
* (عند الله) * أي في حكمه، وقيل: المراد - بالعندية - المكانة والمرتبة والشرف، وحملها - على عندية المكان - كما قيل به - احتمالا - بعيد * (خالصة من دون الناس) * أي مخصوصة بكم كما تزعمون - والخالص - الذي لا يشوبه شيء، أو ما زال عنه شوبه، ونصب (خالصة) على الحال من الدار الذي هو اسم (كان) و (لكم) خبرها قدم للاهتمام - أو لإفادة الحصر - وما بعده للتأكيد، هذا إن جوز مجىء الحال من اسم (كان) وهو الأصح، ومن لم يجوز بناء على أنه ليس بفاعل جعلها حالا من الضمير المستكن في الخبر، وقيل: (خالصة) هو الخبر و (لكم) ظرف لغو لكان أو لخالصة ولا يخفى بعده - فإنه تقييد للحكم قبل مجيئه - ولا وجه لتقديم متعلق الخبر على الاسم مع لزوم توسط الظرف بين الاسم والخبر، وأبعد المهدوي وابن عطية أيضا فجعلا (خالصة) حالا و (عند الله) هو الخبر، مع أن الكلام لا يستقل به وحده. و (دون) هنا للاختصاص وقطع الشركة، يقال: هذا لي دونك، وأنت تريد لا حق لك فيه معي ولا نصيب، وهو متعلق بخالصة والمراد بالناس الجنس وهو الظاهر، وقيل: المراد بهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم وحده - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - قالوا: ويطلق الناس ويراد به الرجل الواحد، ولعله لا يكون إلا مجازا بتنزيل الواحد منزلة الجماعة.
* (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) * في أن الجنة خالصة لكم، فإن من أيقن أنه من أهل الجنة اختار أن ينتقل إلى دار القرار، وأحب أن يخلص من المقام في دار الأكدار، كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له الحسن:
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»