تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٠٤
والقول بأنها نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي ولم يتبعوا كتابا، بل كتبوا بأيديهم كتابا وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا، وقالوا: هذا من عند الله غير مرضي، كالقول بأنها نزلت في عبد الله بن سرح كاتب النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير القرآن فارتد.
* (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * جملة حالية معطوفة على قوله تعالى: * (وقد كان فريق منهم) * (البقرة: 75) عند فريق منهم، وعند آخرين على * (وإذ قتلتم) * (البقرة: 72) عطف قصة على قصة، واختار بعض المحققين أنها اعتراض لرد ما قالوا حين أوعدوا - على ما تقدم - بالوليل - بل جميع الجمل عنده من قوله تعالى: * (أفتطمعون) * إلى قوله تعالى: * (وإذ أخذنا ميثاق) * (البقرة: 75 - 83) الخ، ذكر استطرادا بين القصتين المعطوفتين، فالضمير في * (قالوا) * عائد على * (للذين يكتبون الكتاب) * (البقرة: 79) - والمس - اتصال أحد الشيئين بآخر - على وجه الإحساس والإصابة - وذكر الراغب أنه كاللمس، لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء - وإن لم يوجد - كقوله: وألمسه فلا أجده والمراد من النار نار الآخرة، ومن المعدودة المحصورة القليلة، وكنى - بالمعدودة - عن القليلة لما أن الأعراب لعدم علمهم بالحساب وقوانينه تصور القليل متيسر العدد والكثير متعسره، فقالوا: شيء معدود - أي قليل - وغير معدود - أي كثير - والقول بأن - القلة - تستفاد من أن الزمان - إذا كثر - لا يعد بالأيام، بل بالشهور والسنة والقرن يشكل بقوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام) * إلى * (أياما معدودات) * (البقرة: 183، 184) وبقوله سبحانه: * (إذ واعدنا موسى أربعين ليلة) * (البقرة: 51) وروي عنهم أنهم يعذبون أربعين يوما عدد عبادتهم العجل؛ ثم ينادى أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل، وفي رواية أنهم يعذبون سبعة أيام لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم، وهي سبعة آلاف سنة. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنهم زعموا أنهم وجدوا مكتوبا في التوراة إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم، وأنهم يقطعون في كل يوم مسيرة سنة فيكملونها، وقد قالوا ذلك حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وسمعه المسلمون فنزلت هذه الآية.
* (قل أتخذتم عند الله عهدا) * تبكيت لهم وتوبيخ - والعهد - مجاز عن خبره تعالى، أو وعده بعدم مساس النار لهم سوى - الأيام المعدودة - وسمي ذلك عهدا لأنه أوكد من العهود المؤكدة بالقسم والنذر، وفسره قتادة هنا بالوعد مستشهدا بقوله تعالى: * (ومنهم من عاهد الله) * إلى قوله سبحانه: * (بما أخلفوا الله ما وعدوه) * (التوبة: 75 - 77).
واعترض: بأنه لا وجه للتخصيص، فإن * (لن تمسنا) * الخ فرع الوعد والوعيد لأن مساس النار وعيد، وأجيب بأنه إنما لم يتعرض للوعيد، لأن المقصود بالاستفهام الوعد - لا الوعيد - فإنه ثابت في حقهم. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى الآية هل قلتم لا إله إلا الله، وآمنتم وأطعتم فتستدلون بذلك وتعلمون خروجكم من النار؟ ويؤول إلى هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟ والمعنى الأول أظهر. وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار - الذال - والباقون بإدغامه، وحذفت من اتخذ - همزة الوصل - لوقوعها في الدرج.
* (فلن يخلف الله عهده) * جواب شرط مقدر، أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف وقدره العلامة إن كنتم اتخذتم - إذ ليس المعنى على الاستقبال - وهو مبني على أن حرف الشرط لا يغير معنى - كان - وفيه خلاف معروف فإن قلت: لا يصح جعل * (فلن يخلف الله) * جزاء لامتناع السببية والترتب لكون * (لن) * لمحض الاستقبال قلت: ذلك ليس بلازم في - الفاء الفصيحة - كقوله: قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا * ثم القفول فقد جئنا خراسانا
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»