تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٠٠
إلى المشاركة بين المحتج والمحتج عليه بأن يكون من جانب احتجاج ومن جانب آخر سماع لكان له وجه - كما في بايعت زيدا - وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر. - والكلام - هذه - لام كي - والنصب بأن مضمرة بعدها أو بها، وهي مفيدة للتعليل - ولعله هنا مجاز - لأن المحدثين لم يحوموا حول ذلك الغرض، لكن فعلهم ذلك - لما كان مستتبعا له ألبتة - جعلوا كأنهم فاعلون له إظهارا لكمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم، وضمير * (به) * راجع إلى * (بما فتح الله) * على ما يقتضيه الظاهر * (عند ربكم) * أي في كتابه وحكمه - وهو عند عصابة - بدل من * (به) *، ومعنى كونه بدلا منه أن عامله الذي هو نائب عنه بدل منه إما بدل الكل إن قدر صيغة اسم الفاعل أو بدل اشتمال إن قدر مصدرا، وفائدته بيان جهة الاحتجاج بما فتح الله تعالى، فإن الاحتجاج به يتصور على وجوه شتى، كأنه قيل: ليحاجوكم به بكونه في كتابه، أي يقولوا: إنه مذكور في كتابه الذي آمنتم به، وبما ذكر يظهر وجه الجمع بين قوله تعالى: * (به) * أي (بما فتح الله عليكم) وقوله تعالى: * (عند ربكم) * واندفع ما قيل لا يصح جعله بدلا لوجوب اتحاد البدل والمبدل منه في الإعراب، وههنا ليس كذلك لكون الثاني ظرفا والأول مفعولا به بالواسطة، وقيل: المعنى بما عند ربكم فيكون الظرف حالا من ضمير * (به) * وفائدته التصريح بكون الاحتجاج بأمر ثابت عنده تعالى وإن كان ذلك مستفادا من كونه بما فتح الله تعالى، وقيل: عند ذكر ربكم، فالكلام على حذف مضاف، والمراد من الذكر الكتاب وجعل المحاجة بما فتح الله تعالى باعتبار أنه في الكتاب محاجة عنده توسعا وهذه الأقوال مبنية على أن المراد بالمحاجة في الدنيا وهو ظاهر لأنها دار المحاجة والتأويل في قوله تعالى: * (عند ربكم) * وقيل: عند ربكم على ظاهره - والمحاجة يوم القيامة - واعترض بأن الإخفاء لا يدفع هذه المحاجة لأنه إما لأجل أن لا يطلع المؤمنون على ما يحتجون به - وهو حاصل لهم بالوحي - أو ليكون للمحتج عليهم طريق إلى الإنكار، وذا لا يمكن عنده تعالى يوم القيامة ولا يظن بأهل الكتاب أنهم يعتقدون أن إخفاء ما في الكتاب في الدنيا يدفع المحاجة بكونه فيه في العقبى لأنه اعتقاد منهم بأنه تعالى لا يعلم ما أنزل في كتابه وهم برآء منه، والقول بأن المراد: ليحاجوكم يوم القيامة وعند المسائل، فيكون زائدا في ظهور فضيحتكم وتوبيخكم على رؤس الأشهاد في الموقف العظيم، فكان القوم يعتقدون أن ظهور ذلك في الدنيا يزيد ذلك في الآخرة للفرق بين من اعترف وكتم، وبين من ثبت على الإنكار، أو بأن المحاجة بأنكم بلغتم وخالفتم - تندفع بالإخفاء - يرد عليه أن الإخفاء حينئذ إنما يدفع الاحتجاج بإقرارهم - لا بما فتح الله عليهم على أن المدفوع في الوجه الأول زيادة التوبيخ والفضيحة - لا المحاجة - وقيل: * (عند ربكم) * بتقدير - من عند ربكم - وهو معمول لقوله تعالى: * (بما فتح الله عليكم) * وهو مما لا ينبغي أن يرتكب في فصيح الكلام، وجوز الدامغاني أن يكون * (عند) * للزلفى أي: ليحاجوكم به متقربين إلى الله تعالى - وهو بعيد أيضا - كقول بعض المتأخرين: إنه يمكن أن تجعل المحاجة به عند الرب عبارة عن المباهلة في تحقق ما يحدثونه، وعليه تكون المحاجة على مقتضى المفاعلة - وعندي - أن رجوع ضمير به لما فتح الله من حيث إنه محدث * (به) * وجعل القيد هو المقصود، أو للتحديث المفهوم من * (أتحدثونهم) * وحمل * (عند ربكم) * على يوم القيامة، والتزام أن الإخفاء يدفع هذا الاحتجاج ليس بالبعيد - إلا أن أحدا لم يصرح به - ولعله أولى من بعض الوجوه فتدبر * (أفلا تعقلون) * عطف إما على * (أتحدثونهم) * - والفاء - لإفادة ترتب عدم عقلهم على تحديثهم، وإما على مقدر أي ألا تتأملون فلا تعقلون، والجملة مؤكدة لإنكار التحديث، وهو من تمام
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»