تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٨٠
وتخصيص * (من آمن) * الخ بالدخول في ملة الإسلام، إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصائبين دين، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات ففي " الملل والنحل " أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي ثم خرجوا عنه، فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من الصابئين فكيف يمكن إرجاع الضمير الرابط بين اسم (إن) وخبرها إليهم - على القول المشهور - وارتكاب إرجاعه إلى المجموع من حيث هو مجموع قصدا إلى إدراج الفريق المذكور فيهم ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملا بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع أولئك الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى وإن لم يكن من الصابئين مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه؟! على أن فيه بعد ما لا يخفى فتدبر. و (من) مبتدأ، وجوزوا فيها أن تكون موصولة والخبر جملة قوله تعالى: * (فلهم أجرهم عند ربهم) * ودخلت - الفاء - لتضمن المبتدأ معنى الشرط كما في قوله تعالى: * (إن الذين فتنوا) * (البروج: 10) الآية، وأن تكون شرطية - وفي خبرها خلاف - هل الشرط، أو الجزاء، أو هما؟ وجملة * (من آمن) * الخ خبر * (إن) * فإن كانت * (من) * موصولة - وهو الشائع هنا - احتيج إلى تقدير - منهم - عائدا، وإن كانت شرطية لم يحتج إلى تقديره - إذ العموم يغني عنه - كأنه قيل: هؤلاء وغيرهم إذا آمنوا * (فلهم) * الخ على ما قالوا في قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) * (الكهف: 30) وجوز بعضهم أن تكون * (من) * بدلا من اسم * (إن) * وخبرها * (فلهم أجرهم) * واختار أبو حيان أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم * (إن) * فيصح إذ ذاك المعنى، وكأنه قيل: إن الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة، ومن آمن من الأصناف الثلاثة (فلهم) الخ. وقد حملت الضمائر الثلاثة باعتبار معنى الموصول، كما أن إفراد ما في الصلة باعتبار لفظه، وفي " البحر " إن هذين الحملين لا يتمان إلا بإعراب * (من) * مبتدأ، وأما على إعرابها بدلا فليس فيها إلا حمل على اللفظ فقط فافهم.
ثم المراد من - الأجر - الثواب الذي وعدوه على الإيمان والعمل الصالح، فإضافته إليهم واختصاصه بهم بمجرد الوعد لا بالاستيجاب - كما زعمه الزمخشري رعاية للاعتزال - لكن تسميته - أجرا - لعدم التخلف، ويؤيد ذلك قوله تعالى: * (عند ربهم) * المشير إلى أنه لا يضيع لأنه عند لطيف حفيظ، وهو متعلق بما تعلق به * (لهم) *، ويحتمل أن يكون حالا من * (أجرهم) *.
* (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * عطف على جملة * (فلهم أجرهم) * وقد تقدم الكلام على مثلها في آخر قصة آدم عليه السلام فأغنى عن الإعادة هنا.
* (وإذ أخذنا ميث‍اقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتين‍اكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) * * (وإذ أخذنا ميث‍اقكم) * تذكير بنعمة أخرى، لأنه سبحانه إنما فعل ذلك لمصلحتهم، والظاهر من الميثاق هنا العهد، ولم يقل: مواثيقكم، لأن ما أخذ على كل واحد منهم أخذ على غيره - فكان ميثاقا واحدا - ولعله كان بالانقياد لموسى عليه السلام، واختلف في أنه متى كان؟ فقيل: قبل رفع الطور؛ ثم لما نقضوه رفع فوقهم لظاهر قوله تعالى: * (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) * (النساء: 154) الخ، وقيل: كان معه * (ورفعنا فوقكم الطور) * - الواو - للعطف؛ وقيل: للحال، والطور قيل: جبل من الجبال، وهو سرياني معرب، وقيل: الجبل المعين. وعن أبي حاتم عن ابن عباس أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة وما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها فأمر جبريل بقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا؛ وكان على قدر عسكرهم - فرسخا في فرسخ - ورفع فوقهم قدر قامة الرجل، واستشكل بأن هذا يجري مجرى الإلجاء
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»