تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٨٣
أؤمل أن أعيش وأن يومي * بأول أو بأهون أو جبار أو التالي دبار فإن أفته * فمونس أو عروبة أو شبار واستدل بهذه الآية على تحريم الحيل في الأمور التي لم تشرع كالربا - وإلى ذلك ذهب الإمام مالك - فلا تجوز عنده بحال، قال الكواشي: وجوزها أكثرهم ما لم يكن فيها إبطال حق أو إحقاق باطل، وأجابوا عن التمسك بالآية بأنها ليست حيلة وإنما هي عين المنهي عنه لأنهم إنما نهوا عن أخذها ولا يخفى ما في هذا الجواب، وتحقيقه في " كتب الفقه ".
* (فقلنا لهم كونوا قردة خ‍اسئين) * القردة جمع قرد وهو معروف ويجمع فعل الاسم قياسا على فعول، وقليلا على فعلة، و - الخسو - الصغار والذلة ويكون متعديا ولازما، ومنه قولهم للكلب: اخسأ وقيل: الخسوء والخساء مصدر خسأ الكلب بعد، وبعضهم ذكر الطرد عند تفسير الخسوء كالابعاد؛ فقيل: هو لاستيفاء معناه لا لبيان المراد، وإلا لكان الخاسىء بمعنى الطارد، والتحقيق أنه معتبر في المفهوم إلا أنه بالمعنى المبني للمفعول، وكذلك الابعاد فالخاسىء الصاغر المبعد المطرود، وظاهر القرآن أنهم مسخوا قردة على الحقيقة، وعلى ذلك جمهور المفسرين - وهو الصحيح - وذكر غير واحد منهم أنهم بعد أن مسخوا لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ولم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام وماتوا في اليوم الثامن، واختار أبو بكر بن العربي أنهم عاشوا - وأن القردة الموجودين اليوم من نسلهم - ويرده ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مسخ؟ " إن الله تعالى لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك " وروى ابن جرير عن مجاهد " أنه ما مسخت صورهم ولكن مسخت قلوبهم فلا تقبل وعظا ولا تعي زجرا " فيكون المقصود من الآية تشبيههم بالقردة كقوله: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى * فكن (حجرا) من يابس الصخر جلمدا و * (كونوا) * على الأول: ليس بأمر حقيقة، لأن صيرورتهم ما ذكر ليس فيه تكسب لهم لأنهم ليسوا قادرين على قلب أعيانهم، بل المراد منه سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراد من غير امتناع ولا لبث.
وعلى الثاني: يكون الأمر مجازا عن التخلية والترك والخذلان - كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " اصنع ما شئت " وقد قرره العلامة في تفسير قوله تعالى: * (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا) * (العنكبوت: 66) والمنصوبان خبران للفعل الناقص، ويجوز أن يكون (خاسئين) حالا من الاسم، ويجوز أن يكون صفة لقردة والمراد وصفهم يالصغار عند الله تعالى دفعا لتوهم أن يجعل مسخهم وتعجيل عذابهم في الدنيا لدفع ذنوبهم ورفع درجاتهم.
واعترض أنه لو كان صفة لها لوجب أن يقول: خاسئة لامتناع الجمع - بالواو - والنون في غير ذوي العلم، وأجيب بأن ذلك على تشبيههم بالعقلاء كما في * (ساجدين) * (الأعراف: 120) أو باعتبار أنهم كانوا عقلاء، أو بأن المسخ إنما كان بتبدل الصورة فقط، وحقيقتهم سالمة على ما روي أن الواحد منهم كان يأتيه الشخص من أقاربه الذين نهوهم، فيقول له: ألم أنهك؟ فيقول: بلى ثم تسيل دموعه على خده - ولم يتعرض في الآية بمسخ شيء منهم خنازير - وروى عن قتادة أن الشباب صاروا قردة والشيوخ صاروا - خنازير - وما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم، وقرىء * (قردة) * - بفتح القاف وكسر الراء - و * (خاسين) * بغير همز.
* (فجعلن‍اها نك‍الا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) * * (فجلن‍اها نك‍الا) * أي كينونتهم
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»