إثباته، وقوله تعالى: * (نغفر لكم خطاياكم سنزيد المحسنين) * (الأعراف: 161) موعد بشيئين - بالغفران والزيادة، وطرح - الواو - لا يخل لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل: ماذا بعد الغفران؟ فقيل له: * (سنزيد المحسنين) * وكذلك زيادة * (منهم) * زيادة بيان و * (فأرسلنا) * (الأعراف: 162) و * (أنزلنا) * (البقرة: 57، الأعراف: 160) و * (يظلمون) * (البقرة: 57، الأعراف: 162) و * (يفسقون) * (البقرة: 59) من دار واحد، انتهى.
وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى، والقرآن الكريم مملوء من ذلك، ومن رام بيان سر لكل ما وقع فيه منه فقد رام ما لا سبيل إليه إلا بالكشف الصحيح والعلم اللدني، والله يؤتي فضله من يشاء، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلا هو.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (وإذ قلتم) * لموسى القلب * (لن نؤمن) * الإيمان الحقيقي حتى نصل إلى مقام المشاهدة والعيان - * (فأخذتكم) * صاعقة الموت - الذي هو الفناء في التجلي الذاتي - وأنتم تراقبون أو تشاهدون - * (ثم بعثناكم) * بالحياة الحقيقية والبقاء بعد الفناء لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في الله عز وجل، - * (وظللنا عليكم) * غمام تجلي الصفات - لكونها حجب الذات المحرقة سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره. * (وأنزلنا عليكم) * من الأحوال والمقامات الذوقية الجامعة بين الحلاوة وإذهاب رذائل أخلاق النفس، كالتوكل والرضا وسلوى الحكم والمعارف والعلوم الحقيقية التي يحشرها عليكم ريح الرحمة، والنفحات الإلهية في تيه الصفات عند سلوككم فيها، فتسلون بذلك (السلوى) وتنسون من لذائذ الدنيا كل ما يشتهى * (كلوا) * أي تناولوا وتلقوا هذه الطيبات التي رزقتموها حسب استعدادكم، وأعطيتموها على ما وعد لكم * (وما ظلمونا) * أي ما نقصوا حقوقنا وصفاتنا باحتجابهم بصفات أنفسهم، ولكن كانوا ناقصين حقوق أنفسهم بحرمانها وخسرانها، وهذا هو الخسران المبين. * (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) * أي المحل المقدس الذي هو مقام المشاهدة * (وادخلوا الباب) * الذي هو الرضا بالقضاء، فهو باب الله تعالى الأعظم * (سجدا) * منحنين خاضعين لما يرد عليكم من التجليات، واطلبوا أن يحط الله تعالى عنكم ذنوب صفاتكم وأخلاقكم وأفعالكم، فإن فعلتم ذلك * (نغفر لكم خطاياكم) * " فمن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا. ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " * (وسنزيد المحسنين) * أي المشاهدين " ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " وهل ذلك إلا الكشف التام عن الذات الأقدس. * (فبدل الذين ظلموا) * أنفسهم وأضاعوها ووضعوها في غير موضعها اللائق بها * (قولا غير الذي قيل لهم) * ابتغاءا للحظوظ الفانية والشهوات الدنية. * (فأنزلنا) * (البقرة: 54 - 59) على الظالمين خاصة، عذابا وظلمة وضيقا في سجن الطبيعة، وإسرا في وثاق التمني، وقيد الهوى، وحرمانا، وذلا بمحبة الماديات السفلية، والإعراض عن هاتيك التجليات العلية، وذلك من جهة قهر سماء الروح، ومنع اللطف والروح عنهم بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة القلب الذي لا يأمر إلا بالهدى - كما ورد في الأثر - " إستفت قلبك وإن أفتاك المفتون " إلى طاعة النفس الأمارة بالسوء. وهذا هو البلاء العظيم، والخطب الجسيم. من كان يرغب في السلامة فليكن * أبدا من الحدق المراض عياذه لا تخدعنك بالفتور فإنه * نظر يضر بقلبك استلذاذه إياك من طمع المنى فعزيزه * كذليله، وغنيه شحاذه * (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الارض مفسدين) * * (وإذ استسقى موسى لقومه) * تذكير لنعمة عظيمة كفروا بها - وكان ذلك في التيه لما عطشوا - ففي