وتقدم الكلام عليها، وحرف النفي - والاسم الواقع بعدها عند سيبويه - مبتدأ خبره محذوف وجوبا لدلالة الحال عليه وسد الجواب مسده، والتقدير - ولولا فضل الله ورحمته - حاصلان، ولا يجوز أن يكون الجواب خبرا لكونه في الأغلب خاليا عن العائد إلى المبتدأ، وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف أي لولا ثبت فضل الله تعالى الخ، و * (لكنتم) * جواب - لولا - ويكثر دخول اللام على الجواب إذا كان موجبا، وقيل: إنه لازم إلا في الضرورة كقوله: لولال الحياء ولولا الدين (عبتكم) * ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى وجاء في كلامهم بعد اللام قد، كقوله: لولا الأمير ولولا خوف طاعته * (لقد) شربت وما أحلى من العسل وقد جاء أيضا حذف اللام وإبقاء قد نحو - لولا زيد قد أكرمتك - ولم يجيء في القرآن مثبتا إلا باللام إلا فيما زعم بعضهم أن قوله تعالى: * (وهم بها) * (يوسف: 24) جواب لولا قدم عليها.
هذا ومن باب الإشارة والتأويل في الآية: * (وإذ أخذنا ميثاقكم) * المأخوذ بدلائل العقل بتوحيد الأفعال - والصفات * (ورفعنا فوقكم طور) * - الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها، أو أشار سبحانه - بالطور - إلى موسى القلب، وبرفعه إلى علوه واستيلائه في جو الإرشاد وقلنا * (خذوا) * أي اقبلوا * (ما آتيناكم) * (البقرة: 63) من كتاب العقل الفرقاني بجد، وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق ثم أعرضتم باقبالكم إلى الجهة السفلية بعد ذلك فلولا حكمة الله تعالى بامهاله وحكمه بافضاله لعاجلتكم العقوبة ولحل بكم عظيم المصيبة. إلى الله يدعى بالبراهين من أبى * فإن لم يجب بادته بيض الصوارم * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) * * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) * اللام واقعة في جواب قسم مقدر، و - علم - عنا كعرف فلذلك تعدت إلى واحد، وظاهر هذا أنهم علموا أعيان المعتدين، وقدر بعضهم مضافا أي اعتداء الذين، وقيل: أحكامهم، و * (منكم) * في موضع الحال، و (السبت) اسم لليوم المعروف وهو مأخوذ من السبت الذي هو القطع لأنه سبت فيه خلق كل شيء وعمله، وقيل: من السبوت وهو الراحة والدعة. والمراد به هنا اليوم والكلام على حذف مضاف أي في حكم السبت لأن الاعتداء والتجاوز لم يقع في اليوم بل وقع في حكمه بناء على ما حكي أن موسى عليه السلام أراد أن يجعل يوما خالصا للطاعة وهو يوم الجمعة فخالفوه وقالوا: نجعله يوم السبت لأن الله تعالى لم يخلق فيه شيئا فأوحى الله تعالى إليه أن دعهم وما اختاروا ثم امتحنهم فيه فأمرهم بترك العمل وحرم عليهم فيه صيد الحيتان فلما كان زمن داود عليه السلام - اعتدوا - وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها أيلة. وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حظر هناك وأخرج خرطومه وإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وأشرعوا إليها الجداول وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت بالموج فلا تقدر على الخروج لبعد العمق وقلة الماء فيصطادونها يوم الأحد، وروي أنهم فعلوا ذلك زمانا فلم ينزل عليهم عقوبة فاستبشروا وقالوا: قد أحل لنا العمل في السبت فاصطادوا فيه علانية وباعوا في الأسواق، وعلى هذا يصح جعل اليوم ظرفا للاعتداء، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف، وقيل: المراد بالسبت هنا مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت وليس بمعنى اليوم فحينئذ لا حاجة إلى تقدير مضاف إذ يؤول المعنى إلى أنهم اعتدوا في التعظيم وهتكوا الحرمة الواجبة عليهم. وقد ذكر بعضهم أن تسمية العرب للأيام بهذه الأسماء المشهورة حدثت بعد عيسى عليه السلام وأن أسماءها قبل غير ذلك وهي التي في قوله: