تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٩١
على لا حب لا يتهدي بمناره ففيه نفي للأصل والفرع معا، وانتفاء الملزوم بانتفاء اللازم، قال الحسن: كانت هذه البقرة وحشية ولهذا وصفت بأنها * (لا تثير الأرض) * الخ، وذهب قوم إلى أن تثير مثبت لفظا ومعنى؛ وأنه أثبت للبقرة أنها تثير الأرض وتحرثها ونفى عنها سقي الحرث، ورد بأن ما كان يحرث لا ينتفي عنه كونه ذلولا، وقال بعض: المراد إنها تثير الأرض بغير الحرث بطرا ومرحا، ومن عادة البقر إذا بطرت تضرب بقرونها وأظلافها فتثير تراب الأرض فيكون هذا من تمام قوله: * (لا ذلول) * لأن وصفها بالمرح والبطر دليل على ذلك - وليس عندي بالبعيد - وذهب بعضهم كما في الكواشي إلى أن جملة * (تثير) * في محل نصب على الحال، قال ابن عطية: ولا يجوز ذلك لأنها من نكرة، واعترض بأنه إن أراد بالنكرة بقرة فقد وصفت، والحال من النكرة الموصوفة جائزة جوازا حسنا وإن أراد بها * (لا ذلول) * فمذهب سيبويه جواز مجيء الحال من النكرة وإن لم توصف، وقد صرح بذلك في مواضع من كتابه اللهم إلا أن يقال: إنه تبع الجمهور في ذلك - وهم على المنع - وجعل الجملة حالا من الضمير المستكن في ذلول أي: لا ذلول في حال إثارتها ليس بشيء، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: * (لا ذلول) * بالفتح فلا للتبرئة، والخبر محذوف أي هناك، والمراد مكان وجدت هي فيه، والجملة صفة ذلول، وهو نفي لأن توصف بالذل، ويقال: هي ذلول بطريق الكناية لأنه لو كان في مكان البقرة لكانت موصوفة به ضرورة اقتضاء الصفة للموصوف، فلما لم يكن في مكانها لم تكن موصوفة به، فهذا كقولهم محل - فلان - مظنة الجود والكرم، وهذا أولى مما قيل: إن * (تثير) * خبر * (لا) * والجملة معترضة بين الصفة والموصوف لأنه أبلغ كما لا يخفى، وبعضهم خرج القراءة على البناء نظرا إلى صورة * (لا) * كما - في كنت بلا مال - بالفتح، وليس بشيء لأن ذلك مقصور على مورد السماع، وليس بقياسي على ما يشعر به كلام الرضى وقرىء * (تسقي) * بضم حرف المضارعة من أسقى بمعنى سقى، وبعض فرق بينهما بأن سقى لنفسه، وأسقى لغيره كماشيته وأرضه.
* (مسلمة لاشية فيها) * أي سلمها الله تعالى من العيوب قاله ابن عباس، أو أعفاها أهلها من سائر أنواع الاستعمال قاله الحسن، أو مطهرة من الحرام لا غضب فيها ولا سرقة قاله عطاء، أو أخلص لونها من الشيات قاله مجاهد، والأولى: ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لأن المطلق ينصرف إلى الكامل ولكونه تأسيسا، وعلى آخر الأقوال يكون * (لا شية فيها) * أي لا لون فيها يخالف لونها تأكيدا والتضعيف هنا للنقل والتعدية، ووهم غير واحد فزعم أنه للمبالغة، و - الشية - مصدر وشيت الثوب أشيه وشيا إذا زينته بخطوط مختلفة الألوان فحذف فاؤه - كعدة وزنة - ومنه الواشي للنمام، قيل: ولا يقال له: واش حتى يغير كلامه ويزينه، ويقال: ثور أشيه، وفرس أبلق، وكبش أخرج، وتيس أبرق، وغراب أبقع - كل ذلك بمعنى البلقة - وفي " البحر " ليس الأشيه في قولهم: ثور أشيه للذي فيه بلق مأخوذا من الشيه لاختلاف المادتين، و - شية - اسم * (لا) * و * (فيها) * خبره.
* (قالوا ال‍ائن جئت بالحق) * أي أظهرت حقيقة ما أمرنا به فالحق هنا بمعنى الحقيقة، وقيل: بمعنى الأمر المقضي أو اللازم؛ وقيل: بمعنى القول المطابق للواقع ولم يريدوا أن ما سبق لم يكن حقا بل أرادوا أنه لم يظهر الحق به كمال الظهور فلم يجىء بالحق بل أومأ إليه فعلى هذه الأقوال لم يكفروا بهذا القول، وأجراه قتادة على ظاهره وجعله - متضمنا أن ما جئت به من قبل - كان باطلا فقال: إنهم كفروا بهذا القول، والأولى عدم الإكفار. و (الآن)
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»