، والتعبير عن الأشياء المسؤولة ب (ما) للاستهجان بذكرها، وقرأ النخعي ويحيى: * (سألتم) * بكسر السين. * (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) * أي جعل ذلك محيطا بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه، أو ألصق بهم من ضرب الطين على الحائط ففي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه ذلك بالقبة أو بالطين، و (ضربت) استعارة تبعية تحقيقية لمعنى الإحاطة والشمول أو اللزوم واللصوق بهم، وعلى الوجهين فالكلام كناية عن كونهم أذلاء متصاغرين، وذلك بما ضرب عليهم من الجزية التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون، وبما ألزموه من إظهار الزي ليعلم أنهم يهود ولا يلتبسوا بالمسلمين وبما طبعوا عليه من فقر النفس وشحها فلا ترى ملة من الملل أحرص منهم، وبما تعودوا عليه من إظهار سوء الحال مخافة أن تضاعف عليهم الجزية إلى غير ذلك مما تراه في اليهود اليوم، وهذا الضرب مجازاة لهم على كفران تلك النعمة، وبهذا ارتبطت الآية بما قبلها، وإنما أورد ضمير الغائب للإشارة إلى أن ذلك راجع إلى جميع اليهود، وشامل للمخاطبين، بقوله تعالى: * (فإن لكم ما سألتم) * ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة فليس من قبيل الالتفات على ما وهم * (وباءوا بغضب من الله) * أي نزلوا وتمكنوا بما حل بهم من البلاء والنقم في الدنيا، أو بما تحقق لهم من العذاب في العقبى؛ أو بما كتب عليهم من المكاره فيهما - أو رجعوا بغضب - أي صار عليهم، ولذا لم يحتج إلى اعتبار المرجوع إليه، أو صاروا أحقاء به، أو استحقوا العذاب بسببه - وهو بعيد - وأصل - البواء - بالفتح والضم مساواة الأجزاء ثم استعمل في كل مساواة فيقال: هو بواء فلان أي كفؤه، ومنه بؤ - لشسع نعل كليب - وحديث: " فليتبوأ مقعده من النار " وفي وصف الغضب بكونه من الله تعالى تعظيم لشأنه بعد تعظيم وتفخيم بعد تفخيم.
* (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق) * أشار بذلك إلى ما سبق من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب العظيم، وإنما بعده لبعد بعضه حتى لو كان إشارة إلى البوء لم يكن على لفظ البعيد، أو للإشارة إلى أنهم أدركتهم هذه الأمور مع بعدهم عنها لكونهم أهل الكتاب، أو للإيماء إلى بعدها في الفظاعة، والباء للسببية وهي داخلة على المصدر المؤل ولم يعبر به، وعبر بما عبر تنبيها على تجدد الكفر والقتل منهم حينا بعد حين واستمرارهم عليهما فيما مضى، أو لاستحضار قبيح صنعهم، و (الآيات) إما المعجزات مطلقا أو التسع التي أتى بها موسى عليه السلام، أو ما جاء به من التسع وغيرها، أو آيات الكتب المتلوة مطلقا، أو التوراة أو آيات منها كالآيات التي فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو التي فيها الرجم أو القرآن، وفي إضافة الآيات إلى اسمه تعالى زيادة تشنيع عليهم، وبدأ سبحانه بكفرهم بآياته لأنه أعظم كل عظيم، وأردفه بقتلهم النبيين لأنه كالمنشأ له، وأتى بالنبيين الظاهر في القلة دون الأنبياء الظاهر في الكثرة إذ الفرق بين الجمعين إذا كانا نكرتين وأما إذا دخلت عليهما (أل) فيتساويان - كما في " البحر " - فلا يرد أنهم قتلوا ثلثمائة نبي في أول النهار، وأقاموا سوقهم في آخره، وقيد القتل بغير الحق مع أن قتل الأنبياء لا يكون إلا كذلك للإيذان بأن ذلك بغير الحق عندهم إذ لم يكن أحد معتقدا حقية قتل أحد منهم عليهم السلام، وإنما حملهم عليه حب الدنيا، واتباع الهوى والغلو في العصيان، والاعتداء فاللام في الحق على هذا للعهد، وقيل: الأظهر أنها للجنس، والمراد بغير حق أصلا إذ لام الجنس المبهم كالنكرة، ويؤيده ما في آل عمران (21) * (بغير حق) * فيفيد أنه لم يكن حقا باعتقادهم أيضا، ويمكن أن يكون فائدة التقييد إظهار معايب صنيعهم فإنه قتل النبي ثم جماعة منهم ثم كونه بغير الحق، وهذا أوفق بما هو الظاهر من كون المنهي القتل بغير الحق في نفس الأمر