سواء كان حقا عند القاتل أو لا إلا أن الاقتصار على القتل بغير الحق عندهم أنسب للتعريض بما هم فيه على ما قيل، والقول: بأنه يمكن أن يقال - لو لم يقيد بغير الحق لأفاد أن من خواص النبوة أنه لو قتل أحدا بغير حق لا يقتص، ففائدة التقييد أن يكون النظم مفيدا لما هو الحكم الشرعي - بعيد كما لا يخفى، قال بعض المتأخرين: هذا كله إذا كان الغير بمعنى النفي - أي بلا حق، أما إذا كان بمعناه - أي بسبب أمر مغاير للحق أي الباطل - فالتقييد مفيد لأن قتلهم النبيين بسبب الباطل وحمايته، وقريب من هذا ما قاله القفال من إنهم كانوا يقولون: إنهم كاذبون وأن معجزاتهم تمويهات ويقتلونهم بهذا السبب، وبأنهم يريدون إبطال ما هم عليه من الحق بزعمهم، ولعل ذلك غالب أحوالهم وإلا فشعياء، ويحيى وزكريا عليهم السلام لم يقتلوا لذلك، وإنما قتل شعياء لأن ملكا من بني إسرائيل لما مات مرج أمر بني إسرائيل، وتنافسوا الملك، وقتل بعضهم بعضا فنهاهم عليه السلام فبغوا عليه وقتلوه، ويحيى عليه السلام إنما قتل لقصة تلك الامرأة لعنها الله تعالى، وكذلك زكريا لأنه لما قتل ابنه انطلق هاربا فأرسل الملك في طلبه غضبا لما حصل لامرأته من قتل ابنه فوجد في جوف شجرة ففلقوا الشجرة معه فلقتين طولا بمنشار، ثم الظاهر أن الجار والمجرور مما تنازع فيه الكفر والقتل، وفي " البحر " أنه متعلق بما عنده، وزعم بعض الملحدين - أن بين هذه الآية - وما أشبهها، وقوله تعالى: * (إنا لننصر رسلنا) * (غافر: 51) تناقضا - وأجيب بأن المقتولين من الأنبياء والموعود بنصرهم الرسل ورد بأن قوله تعالى: * (أفكلما جاءكم رسول) * إلى قوله سبحانه: * (فريقا كذبتم ففريقا تقتلون) * (البقرة: 87) يدل على أن المقتول رسل أيضا، وأجاب بعضهم بأن المراد النصرة بغلبة الحجة أو الأخذ بالثأر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى قدر أن يقتل بكل نبي سبعين ألفا، وبكل خليفة خمسا وثلاثين ألفا ولا يخفى ما فيه، فالأحسن أن المراد بالرسل المأمورون بالقتال - كما أجاب به بعض المحققين - لأن أمرهم بالقتال وعدم عصمتهم لا يليق بحكمة العزيز الحكيم، وقرأ علي رضي الله تعالى عنه: (يقتلون) بالتشديد، والحسن في رواية عنه (وتقتلون) بالتاء فيكون ذلك من الالتفات، وقرأ نافع بهمز النبيين وكذا النبي والنبوة، واستشكل بما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا نبىء الله بالهمزة فقال: لست بنبىء الله - يعني مهموزا - ولكن نبي الله " بغير همزة فأنكر عليه ذلك. ولهذا منع بعضهم من إطلاقه عليه عليه الصلاة والسلام على أنه استشكل أيضا جمع النبي على نبيين وهو فعيل بمعنى مفعول، وقد صرحوا بأنه لا يجمع جمع مذكر سالم وأجيب عن الأول بأن أبا زيد حكى نبأت من الأرض إذا خرجت منها فمنع لوهم أن معناه يا طريد الله تعالى فنهاه عن ذلك لإيهامه، ولا يلزم من صحة استعمال الله تعالى له في حق نبيه صلى الله عليه وسلم - الذي برأه من كل نقص - جوازه من البشر، وقيل: إن النهي كان خاصا في صدر الإسلام حيث دسائس اليهود كانت فاشية وهذا كما نهى عن قول: * (راعنا) * إلى قول: * (انظرنا) * (البقرة: 104) انتبه أيها المخرج وعن الثاني بأنه ليس بمتفق عليه إذ قيل: إنه بمعنى فاعل ولو سلم فقد خرج عن معناه الأصل، ولم يلاحظ فيه هذا إذ يطلقه عليه من لا يعرف ذلك، فصح جمعه باعتبار المعنى الغالب عليه فتدبر.
* (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * إشارة إلى الكفر والقتل الواقعين سببا لما تقدم، وجازت الإشارة بالمفرد إلى متعدد للتأويل بالمذكور، ونحوه مما هو مفرد لفظا متعدد معنى، وقد يجري مثل ذلك في الضمير حملا عليه، والباء للسببية، وما بعدها سبب للسبب، والمعنى: إن الذي حملهم على الكفر بآيات الله تعالى، وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدم عصيانهم واعتدائهم ومجاوزتهم الحدود، والذنب يجر الذنب، وأكد الأول لأنه مظنة الاستبعاد بخلاف مطلق العصيان، وقيل: الباء بمعنى مع؛ وقيل: الإشارة بذلك إلى ما أشير إليه بالأول، وترك العاطف للدلالة