تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٨١
إلى الإيمان فينافي التكليف، وأجاب الإمام بأنه لا إلجاء لأن الأكثر فيه خوف السقوط عليهم، فإذا استمر في مكانه مدة - وقد شاهدوا السموات مرفوعة بلا عماد - جاز أن يزول عنهم الخوف فيزول الإلجاء ويبقى التكليف، وقال العلامة: كأنه حصل لهم بعد هذا الإلجاء قبول اختياري، أو كان يكفي في الأمم السالفة مثل هذا الإيمان - وفيه كما قال الساليكوتي - إن الكلام في أنه كيف يصح التكليف ب * (خذوا) * الخ مع القسر، وقد تقرر أن مبناه على الاختيار - فالحق أنه إكراه - لأنه حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه - لو خلي ونفسه - فيكون معدما للرضا لا للاختيار إذ الفعل يصدر باختياره كما فصل في الأصول، وهذا كالمحاربة مع الكفار، وأما قوله: * (لا إكراه في الدين) * (البقرة: 256) وقوله سبحانه: * (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) * (يونس: 99) فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ به.
* (خذوا ما ءاتيناكم بقوة) * هو على إضمار القول أي قلنا أو قائلين خذوا وقال بعض الكوفيين: لا يحتاج إلى إضماره لأن أخذ الميثاق قول، والمعنى: وإذ أخذنا ميثاقكم بأن تأخذوا ما آتيناكم، - وليس بشيء - والمراد هنا - بالقوة - الجد والاجتهاد - كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويؤول إلى عدم التكاسل والتغافل، فحينئذ لا تصلح الآية دليلا لمن ادعى أن الاستطاعة قبل الفعل إذ لا يقال: خذ هذا بقوة، إلا والقوة حاصلة فيه لأن القوة بهذا المعنى لا تنكر صحة تقدمها على الفعل. * (واذكروا ما فيه) * أي ادرسوه واخفظوه ولا تنسوه، أو تدبروا معناه، أو اعلموا بما فيه من الأحكام، فالذكر يحتاج أن يراد به الذكر اللساني والقلبي والأعم منهما وما يكون كاللازم لهما، والمقصود منهما أعني العمل * (لعلكم تتقون) * قد تقدم الكلام على الترجي في كلامه تعالى، وقد ذكر ههنا أن كلما - لعل - متعلقة - بخذوا، واذكروا - إما مجاز يؤول معناه بعد الاستعارة إلى تعليل ذي الغاية بغايته أو حقيقة لرجاء المخاطب؛ والمعنى: خذوا واذكروا راجين أن تكونوا متقين ويرجح المعنى المجازي أنه لا معنى لرجائهم فيما يشق عليهم أعنى التقوى، اللهم إلا باعتبار تكلف أنهم سمعوا مناقب المتقين ودرجاتهم فلذا كانوا راجين للانخراط في سلكهم، وجوز المعتزلة كونها متعلقة - بقلنا - المقدر وأولوا الترجي بالإرادة أي: قلنا و - اذكروا - إرادة أن تتقوا، وهو مبني على أصلهم الفاسد من أن إرادة الله تعالى لأفعال العباد غير موجبة للصدور لكونها عبارة عن العلم بالمصلحة، وجوز العلامة تعلقها إذا أول الترجي بالإرادة - بخذوا - أيضا على أن يكون قيدا للطلب لا للمطلوب، وجوز الشهاب أن يتعلق بالقول على تأويله بالطلب والتخلف فيه جائز، وفيه أن القول المذكور وهو * (خذوا ما آتيناكم) * بعينه طلب التقوى فلا يصح أن يقال - خذوا ما آتيناكم - طالبا منكم التقوى إلا بنوع تكلف فافهم.
* (ثم توليتم من بعد ذالك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخ‍اسرين) * * (ثم توليتم من بعد ذلك) * أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق بعد أخذه وخالفتم، وأصل التولي الإعراض المحسوس ثم استعمل في الإعراض المعنوي كعدم القبول، ويفهم من الآية أنهم امتثلوا الأمر ثم تركوه.
* (فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخ‍اسرين) * الفضل التوفيق للتوبة والرحمة قبولها، أو الفضل والرحمة بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدراكهم لمدته، فالخطاب على الأول جار على سنن الخطابات السابقة مجازا باعتبار الأسلاف وعلى الثاني جار على الحقيقة، والخسران ذهاب رأس المال أو نقصه، والمراد لكنتم مغبونين هالكين بالانهماك في المعاصي، أو بالخبط في مهاوي الضلال عند الفترة، وكلمة - لولا - إما بسيطة أو مركبة من لو الامتناعية
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»