إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم قالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هؤلاء جاءونا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن فرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه قالوا قد رضينا وسلمنا فقال صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أنهم قد رضوا «يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس» وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة أو هم ذو نجس لخبث باطنهم أو لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهي ملابسة لهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وعن الحسن من صافح مشركا توضأ وأهل المذاهب على خلاف هذين القولين وقرئ نجس لكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف نجس ككبد في كبد كأنه قيل إنما المشركون جنس نجس أو ضرب نجس وأكثر ما جاء تابعا لرجس «فلا يقربوا المسجد الحرام» تقريع على نجاستهم وإنما نهى عن القرب للمبالغة أو للمنع عن دخول الحرم وهو مذهب عطاء وقيل المراد به النهى عن الدخول مطلقا وقيل المراد المنع عن الحج والعمرة وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويؤيده قوله عز وجل «بعد عامهم هذا» فإن تقييد النهى بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو عام تسعة من الهجرة حين أمر أبو بكر رضى الله عنه على الموسم ويدل عليه قول علي رضى الله عنه حين نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ولا يمنعون من دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد عنده وعند الشافعي يمنعون من المسجد الحرام خاصة وعند مالك يمنعون من جميع المساجد ونهى المشركين أن يقربوه راجع إلى نهي المسلمين عن تمكينهم من ذلك وقيل المراد أن يمنعوا من تولى المسجد الحرام والقيام بمصالحه ويعزلوا عن ذلك «وإن خفتم عيلة» أي فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه إليكم من الإرفاق والمكاسب وقرئ عائلة على أنها مصدر كالعافية أو حالا عائلة «فسوف يغنيكم الله من فضله» من عطائه أو من تفضله بوجه آخر فأرسل الله تعالى السماء عليهم مدرارا أغزر بها خيرهم وأكثر ميرهم وأسلم أهل تبالة وجرش فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به فكان ذلك أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض «إن شاء» أن يغنيكم مشيئته تابعة للحكمة الداعية إليها وإنما قيد ذلك بها لتنقطع الآمال إلى الله تعالى ولأن الإغناء ليس مطردا بحسب الأفراد والأحوال والأوقات «إن الله عليم» بمصالحكم «حكيم» فيما يعطي ويمنع
(٥٧)