بالله اعتذارا عند قفولك قائلين «لو استطعنا» أو سيحلفون قائلين بالله لو استطعنا الخ أي لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتهما جميعا حسبما عن لهم من الكذب والتعلل وعلى كلا التقديرين فقوله تعالى «لخرجنا معكم» ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعا أما على الثاني فظاهر وأما على الأول فلأن قولهم لو استطعنا في قوة بالله لو استطعنا لأنه بيان لقوله تعالى سيحلفون بالله وتصديق له والإخبار بما سيكون منهم بعد القفول وقد وقع حسبما أخبر به من جملة المعجزات الباهرة وقرئ لو استطعنا بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع كما في قوله عز وجل فتمنوا الموت «يهلكون أنفسهم» بدل من سيحلفون لأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع أو حال من فاعله أي مهلكين أنفسهم أو من فاعل خرجنا جئ به على طريقة الإخبار عنهم كأنه قيل نهلك أنفسنا أي لخرجنا معكم مهلكين أنفسنا كما في قولك حلف ليفعلن مكان لأفعلن «والله يعلم إنهم لكاذبون» أي في مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا «عفا الله عنك» صريح في أنه سبحانه وتعالى قد عفا عنه صلى الله عليه وسلم ما وقع منه عند استئذان المتخلفين في التخلف معتذرين بعدم الاستطاعة وإذنه اعتمادا على إيمانهم ومواثيقهم لخلوها عن المزاحم من ترك الأولى والأفضل الذي هو التأني والتوقف إلى انجلاء الأمر وانكشاف الحال وقوله عز وجل «لم أذنت لهم» أي لأي سبب أذنت لهم في التخلف حين اعتلوا بعللهم بيان لما أشير إليه بالعفو من ترك الأولى وإشارة إلى أنه ينبغي أن تكون أموره صلى الله عليه وسلم منوطة بأسباب قوية موجبة لها أو مصححة وأن ما أبرزوه في معرض التعلل والاعتذار مشفوعا بالإيمان كان بمعزل من كونه سببا للإذن قبل ظهور صدقة وكلتا اللامين متعلقة بالإذن لاختلافهما في المعنى فإن الأولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين وتوجه الإنكار إلى الأذن باعتبار شموله للكل لا باعتبار تعلقه بكل فرد فرد لتحقق عدم استطاعة بعضهم كما ينبئ عنه قوله سبحانه «حتى يتبين لك الذين صدقوا» أي فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال أو من جهة البدن أو من جهتهما معا حسبما عن لهم هناك «وتعلم الكاذبين» في ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الأولى الأفضل وتخصيص له صلى الله عليه وسلم عليه فإن كلمة حتى سواء كانت بمعنى اللام أو بمعنى إلى لا يمكن تعلقها بقوله تعالى لم أذنت لاستلزامه أن يكون إذنه صلى الله عليه وسلم لهم معللا أو مغيا بالتبين والعلم ويكون توجه الاستفهام إليه من تلك الحيثية وذلك بين الفساد بل بما يدل عليه ذلك كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم وهلا تأنيت حتى ينجلي الأمر كما هو قضية الحزم قال قتادة وعمرو بن ميمون اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الأسارى فعاتبه الله تعالى كما تسمعون وتغيير الأسلوب بأن عبر عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دال على الحدوث وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين وأن ما صدر من الآخرين
(٦٨)