قوله * أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا * «والله عزيز» يغلب أوليائه على أعدائه «حكيم» يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ونهى عن أخذ الفداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن بقوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى أصحابك وقال عمر اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر والله أغناك عن الفداء مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ومكني من فلان نسيب له فلنضرب أعناقهم فقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديار فخير أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا غير عمر وسعد بن معاذ وكان هو أيضا ممن أشار بالإثخان «لولا كتاب من الله سبق» أي لولا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما لم يصرح لهم بالنهي وأما أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم فلا يصلح أن يعد من موانع مساس العذاب فإن الحل اللاحق لا يرفع حكم الحرمة السابقة كما أن الحرمة اللاحقة كما في كما في الخمر مثلا لا ترفع حكم الإباحة السابقة على أنه قادح في تهويل ما نعي عليهم من أخذ الفداء «لمسكم» أي لأصابكم «فيما أخذتم» أي لأجل ما أخذتم من الفداء «عذاب عظيم» لا يقادر قدره «فكلوا مما غنمتم» روى أنهم أمسكوا عن الغنائم فنزلت قالوا الفاء لترتيب ما بعدها على سبب محذوف أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم والأظهر أنها للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي دعوه فكلوا مما غنمتم وقيل ما عبارة عن الفدية فإنها من جملة الغنائم ويأباه سباق النظم الكريم وسياقه «حلالا» حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا وفائدته الترغيب في أكلها وقوله تعالى «طيبا» صفة لحلالا مفيدة لتأكيد الترغيب «واتقوا الله» أي في مخالفة أمره ونهيه «إن الله غفور رحيم» فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الإذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم» أي في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم «من الأسرى»
(٣٦)