بكم قوة» أي لفعلت بكم ما فعلت وصنعت ما صنعت كقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى «أو آوي إلى ركن شديد» عطف على أن لي بكم إلى آخره لما فيه من معنى الفعل أي لو قويت على دفعكم بنفسي أو أويت إلى ناصر عزيز قوي أتمنع به عنكم شبهه بركن الجبل في الشدة والمنعة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد روى أنه عليه السلام أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب «قالوا» أي الرسل لما شاهدوا عجزه عن مدافعة قومه «يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك» بضرر ولا مكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه رب العزة جل جلاله في عقوبتهم فأذن له فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم كما قال عز وعلى فطمسنا أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط قوما سحرة «فأسر بأهلك» بالقطع من الإسراء وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث جاء في القرآن من السرى والفاء لترتيب الأمر بالإسراء على الإخبار برسالتهم المؤذنة بورود الأمر والنهي من جنابه عز وجل إليه عليه السلام «بقطع من الليل» بطائفة منه «ولا يلتفت منكم» أي لا يتخلف أولا ينظر إلى ورائه «أحد» منك ومن أهلك وإنما نهوا عن ذلك ليجدوا في السير فإن من يلتفت إلى ما وراءه لا يخلو عن أدنى وقفة أو لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم «إلا امرأتك» استثناء من قوله تعالى فأسر بأهلك ويؤيده أنه قرى فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وقرئ بالرفع على البدل من أحد فالإلتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف كيلا يلزم التناقض بين القراءتين المتواترتين فإن النصب يقتضي كونه عليه السلام غير مأمور بالإسراء بها والرفع كونه مأمورا بذلك والاعتذار بأن مقتضى الرفع إنما هو مجرد كونها معهم وذلك لا يستدعي الأمر بالإسراء بها حتى يلزم المناقضة لجواز أن تسري هي بنفسها كما يروي أنه عليه السلام لما أسرى بأهله تبعتهم فلما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها وأن يسري بها عليه السلام من غير أمر بذلك إذ موجب النصب إنما هو عدم الأمر بالإسراء بها لا النهي عن الإسراء بها حتى يكون عليه السلام بالإسراء بها مخالفا للنهي لا يجدي نفعا لأن انصراف الاستثناء إلى الالتفات يستدعي بقاء الأهل على العموم فيكون الإسراء بها مأمورا به قطعا وفي حمل الأهلية في إحدى القراءتين على الأهلية الدينية وفي الأخرى على النسبية مع أن فيه ما لا يخفى من التحكم والاعتساف كر على ما فر منه من المناقضة فالأولى حينئذ جعل الاستثناء على القراءتين من قوله لا يلتفت مثل الذي في قوله تعالى ما فعلوه إلى قليل منهم فإن ابن عامر قرأه بالنصب وإن كان الأفصح الرفع على البدل ولا بعد في كون أكثر القراء
(٢٢٩)