تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٥٨
كنا عليكم شهودا» استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أي ما تلابسون بشئ منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له «إذ تفيضون فيه» أي تخوضون وتندفعون فيه وأصل الإفاضة الاندفاع بكثرة أو بقوة وحيث أريد بالأفعال السابقة الحالة المستمرة الدائمة المقارنة للزمان الماضي أيضا أوثر في الاستثناء صيغة الماضي وفي الظرف كلمة إذ التي تفيد المضارع معنى الماضي «وما يعزب عن ربك» أي لا يبعد ولا يغيب على علمه الشامل وفى التعرض لعنوان الربوبية من الإشعار باللطف ما لا يخفى وقرئ بكسر الزاي «من مثقال ذرة» كلمة من مزيدة لتأكيد النفي أي ما يعزب عنه ما يساوى في الثقل نملة صغيرة أو هباء «في الأرض ولا في السماء» أي في دائرة الوجود والإمكان فإن العامة لا تعرف سواهما ممكنا ليس في أحدهما أو متعلقا بهما وتقديم الأرض لأن الكلام في حال أهلها والمقصود إقامة البرهان علي إحاطة علمه تعالى بتفاصيلها وقوله تعالى «ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين» كلام برأسه مقرر لما قبله ولا نافية للجنس وأصغر اسمها وفى كتاب خبرها وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر ومن عطف على لفظ مثقال ذرة وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا كأنه قيل لا يعزب عن ربك شئ ما لكن جميع الأشياء في كتاب مبين فكيف يعزب عنه شئ منها وقيل يجوز أن يكون الاستثناء متصلا ويعزب بمعنى يبين ويصدر والمعنى لا يصدر عنه تعالى شئ إلا وهو في كتاب مبين والمراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ «ألا إن أولياء الله» بيان على وجه التبشير والوعد لما هو نتيجة لأعمال المؤمنين وغاية لما ذكر قبله من كونه تعالى مهيمنا علي نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته في كل ما يأتون وما يذرون وإحاطة علمه سبحانه بجميع ما في السماء والأرض وكون الكل مثبتا في الكتاب المبين بعد ما أشير إلى فظاعة حال المفترين على الله تعالى يوم القيامة وما سيعتريهم من الهول إشارة إجمالية على طريق التهديد والوعيد وصدرت الجملة بحرفى التنبيه والتحقيق لزيادة تقرير مضمونها والولي لغة القريب والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه وتعالى كما سيفصح عنه تفسيرهم «لا خوف عليهم» في الدارين من لحوق مكروه «ولا هم يحزنون» من فوات مطلوب أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن أصلا بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله سبحانه وهيبته واستقصارا للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما مر مرارا من أن النفي إن دخل على نفس المضارع يفيد الاستمرار والدوام بحسب المقام وإنما يعتريهم ذلك لأن مقصدهم ليس إلا طاعة الله تعالي ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب في حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة إليه تعالى وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهي بمعزل من الانتظام في سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308