إما كون الظلم عبارة عن الشرك أو عما يدخل فيه دخولا أوليا «وهم» أي الظالمون «لا يظلمون» فيما فعلى بهم من العذاب بل هو من مقتضيات ظلمهم ولوازمه الضرورية «ألا إن لله ما في السماوات والأرض» أي ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما وكلمة ما لتغليب غير العقلاء علي العقلاء فهو تقرير لكمال قدرته سبحانه على جميع الأشياء وبيان لاندارج الكل تحت ملكوته يتصرف فيه كيفما يشاء إيجادا وإعداما وإثابة وعقابا «ألا إن وعد الله» إظهار الاسم الجليل لتفخيم شأن الوعد والإشعار بعلة الحكم وهو إما بمعني الموعود أي جميع ما وعد به كائنا ما كان فيندرج فيه العذاب الذي استعجلوه وما ذكر في أثناء بيان حاله اندراجا أوليا أو بمعناه المصدري أي وعده بجميع ما ذكر فمعنى قوله تعالى «أحق» على الأول ثابت واقع لا محالة وعلى الثاني مطابق للواقع وتصدير الجملتين بحرفي التنبيه والتحقيق للتسجيل على مضمونهما المقرر لمضمون ما سلف من الآيات الكريمة والتنبيه علي وجوب استحضاره والمحافظة عليه «ولكن أكثرهم» لقصور عقولهم واستيلاء الغفلة عليهم والفهم بالأحوال المحسوسة المعتادة «لا يعلمون» ذلك فيقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون «هو يحيي ويميت» في الدنيا من غير دخل لأحد في ذلك «وإليه ترجعون» في الآخرة بالبعث والحشر «يا أيها الناس» التفات ورجوع إلى استمالتهم نحو الحق واستنزالهم إلى قبوله واتباعه غب تحذيرهم من غوائل الضلال بما تلى عليهم من القوارع الناعية عليهم سوء عاقبتهم وإيذان بأن جميع ذلك مسوق لمصالحهم ومنافعهم «قد جاءتكم موعظة» هي والوعظ والعظة التذكير بالعواقب سواء كان بالزجر والترهيب أو بالاستمالة والترغيب وكلمة من في قوله تعالى «من ربكم» ابتدائية متعلقة بجاءتكم أو تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لموعظة أي موعظة كائنة من مواعظ ربكم وفى التعرض لعنوان الربوبية من حسن الموقع ما لا يخفى «وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين» أي كتاب جامع لهذه الفوائد والمنافع فإنه كاشف عن أحوال الأعمال حسناتها وسيئاتها مرغب في الأولى ورادع عن الأخرى ومبين للمعارف الحقة التي هي شفاء لما في الصدور من الأدواء القلبية كالجهل والشك والشرك والنفاق وغيرها من العقائد الزائغة وهاد إلى طريق الحق واليقين بالإرشاد إلى الاستدلال بالدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس وفى مجيئه رحمه للمؤمنين حيث نجوا به من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان وتخلصوا من دركات النيران وارتقوا إلى درجات الجنان والتنكير في الكل للتفخيم
(١٥٥)