الأرض وهي داخلة فيها دخولا أوليا «يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» الذين أنتم منهم وفيه إيذان بأن الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى وقرئ والعاقبة بالنصب عطفا على اسم إن «قالوا» أي بنو إسرائيل «أوذينا» أي من جهة فرعون «من قبل أن تأتينا» أي بالرسالة يعنون بذلك قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه الصلاة والسلام وبعده «ومن بعد ما جئتنا» أي رسولا يعنون ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب وأما ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن كما قيل فليس مما يلحقهم بواسطته عليه السلام فليس لذكره كثير ملابسة بالمقام «قال» أي موسى عليه الصلاة والسلام لما رأى شدة جزعهم مما شاهدوه مسليا لهم بالتصريح بما لوح به في قوله إن الأرض لله الخ «عسى ربكم أن يهلك عدوكم» الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بإعادته «ويستخلفكم في الأرض» أي يجعلكم خلفاء في أرض مصر «فينظر كيف تعملون» أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منك من الأعمال وفيه تأكيد للتسلية وتحقيق للأمر قيل لعل الإتيان بفعل الطمع لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم هم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم فقد روي أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام ولا يساعده قوله تعالى وأورثنا القوم الذين يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها فإن المتبادر استخلاف أنفس المستضعفين لا استخلاف أولادهم إنما مجىء فعل الطمع للجري على سنن الكبرياء «ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين» شروع في تفصيل مبادى الهلاك الموعود وإيذان بأنه تعالى لم يمهلهم بعد ذلك ولم يكونوا في خفض ودعة بل رتبت أسباب هلاكهم فتحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذاب الاستئصال وتصدير الجملة بالقسم لإظهار الاعتناء بمضمونها والسنون جمع سنة والمراد بها عام القحط وفيها لغتان أشهرهما إجراؤها مجرى المذكر السالم فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء ويحذف نونه بالإضافة واللغة الثانية إجراء الإعراب على النون ولكن مع الباء خاصة إما بإثبات تنوينها أو بحذفه قال الفراء هي اللغة مصروفة عنج بني عامر وغير مصروفة عند بني تميم ووجه حذف التنوين والتخفيف وحينئذ لا يحذف النون للإضافة وعلى ذلك جاء قول الشاعر [دعاني من نجد فإن سنينه * لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا] وجاء الحديث اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف وسنين كسنين يوسف باللغتين «ونقص من الثمرات» بإصابة العاهات عن كعب يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أما السنون فكانت لباديتهم وأهل ماشيتهم وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم «لعلهم يذكرون» كي تذكروا ويتعظوا بذلك ويقفوا على أن ذلك لأجل معاصيهم وينزجر وأعمالهم عليه من العتو والعناد قال الزجاج إن أحوال
(٢٦٣)