الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٥٩
من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده قال نعم أقول ذلك وأنت أحدهم وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤسهم وهو يتلو هذه الآيات يس والقرآن الحكيم إلى قوله فأغشيناهم فهم لا يبصرون حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات فلم يبق رجل الا وضع على رأسه ترابا فوضع كل رجل منهم يده على رأسه وإذا عليه تراب فقالوا لقد كان صدقنا الذي حدثنا * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الأغلال ما بين الصدر إلى الذقن فهم مقمحون كما تقمح الدابة باللجام * وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قرأ انا جعلنا في أعناقهم أغلالا * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله مقمحون قال مجموعة أيديهم إلى أعناقهم تحت الذقن * وأخرج الطستي عن ابن عباس ان نافع بن الأزرق سأله عن قوله مقمحون قال المقمح الشامخ بأنفه المنكس برأسه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر ونحن على جوانبها قعود * نغض الطرف كالإبل القماح * وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق عن الضحاك رضي الله عنه في قوله انا جعلنا في أعناقهم أغلالا قال البخل أمسك الله أيديهم عن النفقة في سبيل الله فهم لا يبصرون * واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله انا جعلنا في أعناقهم أغلالا قال في بعض القراءات انا جعلنا في أيمانهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون قال مغلولون عن كل خير * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد فهم مقمحون قال رافعوا رؤسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم * وأخرج عبد بن حميد عن عاصم انه قرأ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا برفع السين فيهما فأغشيناهم بالغين * وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال اجتمعت قريش بباب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون خروجه ليؤذوه فشق ذلك عليه فاتاه جبريل بسورة يس وأمره بالخروج عليهم فاخذ كفا من تراب وخرج وهو يقرؤها ويذر التراب على رؤسهم فما رأوه حتى جاز فجعل أحدهم يلمس رأسه فيجد التراب وجاء بعضهم فقال ما يجلسكم قالوا ننتظر محمدا فقال لقد رأيته داخلا المسجد قالوا قوموا فقد سحركم * وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال اجتمعت قريش فبعثوا عتبة بن ربيعة فقالوا ائت هذا الرجل فقل له ان قومك يقولون انك جئت بأمر عظيم ولم يكن عليه آباؤنا ولا يتبعك عليه أحلامنا وانك انما صنعت هذا انك ذو حاجة فان كنت تريد المال فان قومك سيجمعون لك ويعطونك فدع ما تريد وعليك بما كان عليه آباؤك فانطلق إليه عتبة فقال له الذي أمره فلما فرغ من قوله وسكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم فقرأ عليه من أولها حتى بلغ فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فرجع عتبة فأخبرهم الخبر فقال لقد كلمني بكلام ما هو بشعر ولا بسحر وانه لكلام عجيب ما هو بكلام الناس فوقعوا به وقالوا نذهب إليه بأجمعنا فلما أرادوا ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدهم حتى قام على رؤسهم وقال بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم حتى بلغ جعلنا في أعناقهم أغلالا فضرب الله بأيديهم على أعناقهم فجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاخذ ترابا فجعله على رؤسهم ثم انصرف عنهم ولا يدرون ما صنع بهم فعجبوا وقالوا ما رأينا أحدا قط أسحر منه أنظروا ما صنع بنا * وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى رضي الله عنه قال ائتمر ناس من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم ليسطوا عليه فجاؤوا يريدون ذلك فجعل الله من بين أيديهم سدا قال ظلمة ومن خلفهم سدا قال ظلمة فأغشيناهم فهم لا يبصرون قال فلم يبصروا النبي صلى الله عليه وسلم * وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال كان ناس من المشركين من قريش يقول بعضهم لبعض لو قد رأيت محمدا لفعلت به كذا وكذا فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم في حلقة في المسجد فوقف عليهم فقرأ يس والقرآن الحكيم حتى بلغ لا يبصرون ثم أخذ ترابا فجعل يذره على رؤسهم فما يرفع إليه رجل طرفه ولا يتكلم كلمة ثم جاوز النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينفضون التراب عن رؤسهم ولحاهم والله ما سمعنا والله ما أبصرنا والله ما عقلنا * وأخرج عبد بن حميد وابن جرر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا قال عن الحق فهم يترددون فأغشيناهم
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست