الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٩
الله تعالى مالا وولدا وأوسع عليه فله من الشياه والبقر والغنم والإبل وان عدو الله إبليس قيل له هل تقدر ان تفتن أيوب قال رب ان أيوب أصبح في دنيا من مال وولد فلا يستطيع الا شكرك فسلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك فسلط على ماله وولده فكان يأتي الماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران ثم يأتي أيوب وهو يصلى متشبها براعي الغنم فيقول يا أيوب تصلى لربك ما ترك الله لك من ماشيتك شيئا من الغنم الا أحرقها بالنيران وكنت ناحية فجئت لأخبرك فيقول أيوب اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت مهما يبق شئ أحمدك على حسن بلائك فلا يقدر منه على شئ مما يريد ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك ويرد عليه أيوب مثل ذلك وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له ماشية حتى هدم البيت على ولده فقال يا أيوب أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى يهلكوا فيقول أيوب مثل ذلك وقال رب هذا حين أحسنت إلى الاحسان كله قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم فالآن أفرغ سمعي لك وبصرى وليلى ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل فينصرف عدو الله من عنده ولم يصب منه شيئا مما يريد ثم إن الله تعالى قال كيف رأيت أيوب قال إبليس ان أيوب قد علم انك سترد عليه ماله وولده ولكن سلطني على جسده فان أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك فسلط على جسده فاتاه فنفخ فيه نفخة اقرح من لدن قرنه إلى قدمه فأصابه البلاء بعد البلاء حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل فلم يبقى له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت عليه تصدق عليه وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذ حمده وأيوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرضين جزعا من صبر أيوب فاجتمعوا إليه وقالوا له اجتمعنا إليك ما أحزنك ما أعياك قال أعياني هذا العبد الذي سألت ربى ان يسلطني على ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزد بذلك الا صبرا وثناء على الله تعالى وتحميدا له ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا تقربه الا امرأته فقد افتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عليه فقالوا له أين مكرك أين علمك الذي أهلكت به من مضى قال بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا على قالوا نشير عليك أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته قال من قبل امرأته قالوا فشأنك بأيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع ان يعصيها وليس أحد يقربه غيرها قال أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال أين بعلك يا أمة الله قالت ها هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدود في جسده فلما سمعها طمع ان تكون كلمة جزع فوضع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب وذكرها جمل أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وان ذلك لا ينقطع عنهم أبدا فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاها بسخلة فقال ليذبح هذا إلى أيوب ويبرأ فجاءت تصرخ يا أيوب يا أيوب حتى متى يعذبك ربك الا يرحمك أين المال أين الشباب أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن الذي بلى وتلدد فيه الدواب اذبح هذه السخلة واسترح قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقا فأجبته ويلك أرأيت ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب من أعطانيه قال الله قال فكم متعنا قالت ثمانين سنة قال فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به قالت سبع سنين وأشهرا قال ويلك والله ما عدلت ولا انصعت ربك الا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة حيث أمرتيني ان أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي أتيتيني به على حرام لن أذوق شيئا مما تأتى به بعد إذ قلت لي هذا فاعزبي عنى فلا أراك فطردها فذهبت فقال الشيطان هذا قد وطن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه فباء بالغلبة ورفضه ونظر إلى أيوب قد طرد امرأته وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق ومر به رجلان وهو على تلك الحال ولا والله ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب فقال أحد لرجلين لصاحبه لو كان الله في هذا حاجة ما بلغ به هذا فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة فقال رب مسني الضر ثم رد ذلك إلى الله فقال وأنت أرحم الراحمين فقيل له اركض برجلك هذا مغتسل بارد فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها فلم يبق من دائه شئ ظاهر الا سقط فاذهب الله كل ألم وكل سقم وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ضرب برجله
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»
الفهرست