الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٥
فمن أنت قال أنا ملك الموت فقال له إدريس أمرت في بأمر فقال له لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك ولكني أحبك في الله وصحبتك فقال له إدريس يا ملك الموت انك معي ثلاثة أيام بلياليها لم تقبض روح أحد من الخلق قال بلى والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله انى معك من حين رأيت وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها وما الدنيا كلها عندي الا بمنزلة المائدة بين يدي الرجل يمد يده ليتناول منها ما شاء فقال له إدريس يا ملك الموت أسألك بالذي أحببتني له وفيه الا قضيت لي حاجة أسألكها فقال له ملك الموت سلني ما أحببت يا نبي الله فقال أحب أن تذيقني الموت وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت ثم ترد إلى روحي فقال له ملك الموت عليه السلام ما أقدر على ذلك الا أن استأذن فيه ربى فقال له إدريس عليه السلام فاستأذنه في ذلك فعرج ملك الموت إلى ربه فأذن له فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده فلما سقط إدريس عليه السلام ميتا رد الله إليه روحه وطفق يمسح وجهه وهو يقول يا نبي الله ما كنت أريد ان يكون هذا حظك من صحبتي فلما أفاق قال له ملك الموت يا نبي الله كيف وجدت قال يا ملك الموت قد كنت أحدث واسمع فإذا هو أعظم مما كنت أحدث واسمع ثم قال يا ملك الموت أريد منك حاجة أخرى قال وما هي قال تريني النار حتى انظر إلى لمحة منه فقال له ملك الموت وما لك والنار انى لأرجو ان لا تراها ولا تكون من أهلها قال بلى أريد ذلك لكون أشد لرهبتي وخوفي منها فانطلق إلى باب من أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فأجابوه وقالوا من هذا قال أنا ملك الموت فارتعدت فرائصهم قالوا أمرت فينا بأمر فقال لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس عليه السلام سألني أن تروه لمحة من النار ففتحوا له قدر ثقب المخيط فأصابه من حرها ولهبها وزفيرها ما صعق فقال ملك الموت أغلقوا فاغلقوا فمسح ملك الموت وجهه وهو يقول يا نبي الله ما كنت أحب ان يكون هذا حظك من صحبتي فلما أفاق قال له ملك الموت يا نبي الله كيف رأيت قال يا ملك الموت كنت أحدث واسمع فإذا هو أعظم مما كنت أحدث واسمع فقال له يا ملك الموت قد بقيت لي حاجة أخرى لم يبق غيرها قال وما هي قال تريني لمحة من الجنة قال له ملك الموت عليه السلام يا نبي الله ابشر فإنك إن شاء الله من خيار أهلها وانها إن شاء الله مقيلك ومصيرك فقال يا ملك الموت انى أحب أنظر إليها ولعل ذلك أن يكون أشد لشوقي وحرصي وطلبي فذهب به إلى باب من أبواب الجنة فنادى بعض خزنتها فأجابوه فقالوا من هذا قال ملك الموت فارتعدت فرائصهم وقالوا أمرت فينا بشئ فقال لو أمرت فيكم بشئ ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس عليه السلام سال أن ينظر إلى لمحة من الجنة فافتحوا فلما فتح أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال يا ملك الموت انى أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها وأشرب شربة من مائها فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي وحرصي فقال ادخل فدخل فاكل من ثمارها وشرب من مائها فقال له ملك الموت اخرج يا نبي الله قد أصبت حاجتك حتى يردك الله مع الأنبياء يوم القيامة فاحتضن بساق شجرة من شجر الجنة وقال ما أنا بخارج منها وان شئت ان أخاصمك خاصمتك فأوحى الله إلى ملك الموت قاضيه الخصومة فقال له ملك الموت ما الذي تخاصمني به يا نبي الله فقال إدريس قال الله تعالى كل نفس ذائقة الموت فقد ذقت الموت الذي كتبه الله على خلقه مرة واحدة وقال الله وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا وقد وردتها أفأردها مرة بعد مرة وانما كتب الله ورودها على خلقه مرة واحدة وقال لأهل الجنة وما هم منها بمخرجين أفأخرج من شئ ساقه الله إلى فأوحى الله إلى ملك الموت خصمك عبدي إدريس وعزتي وجلالي أن في سابق علمي قبل أن أخلقه انه لا موت عليه الا الموتة التي ماتها وانه لا يرى جهنم الا الورد الذي وردها وانه يدخل الجنة في الساعة التي دخلها وانه ليس بخارج منها فدعه يا ملك الموت فقد خصمك وانه احتج عليك بحجة قوية فلما قر قرار إدريس في الجنة وألزمه الله دخولها قبل الخلائق عجت الملائكة إلى ربهم فقالوا ربنا خلقنا قبل إدريس بكذا وكذا ألف سنة ولم نعصك طرفة عين وانما خلقت إدريس منذ أيام قلائل فأدخلته الجنة قبلنا فأوحى الله إليهم يا ملائكتي انما خلقتكم لعبادتي وتسبيحي وذكرى وجعلت فيها لذتكم ولم أجعل لكم لذة في مطعم ولا مشرب ولا في شئ سواها وقويتكم عليها وجعلت في الأرض الزينة والشهوات واللذات والمعاصي والمحارم وانه اجتنب ذلك كله من أجلى وآثر هواي على هواه ورضاي ومحبتي على رضاه ومحبته فمن أراد منكم أن يدخل
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»
الفهرست