208 ه أو 215 ه، وقد ألف كتابه " مجاز القرآن " سنة 188 ه (1)، ويعد هذا الكتاب أقدم مؤلف في معاني القرآن وصل إلينا.
وأبو عبيدة موسوعة علمية له مؤلفات في مجالات شتى، وقد " أوتي لسانا صارما جلب على نفسه عداوات كثيرة، ثم تنفس به العمر قرابة قرن كامل زامل فيه أعلاما كبارا، وجادل خصوما كثارا، وشهد تلاميذه ومن في طبقتهم يجادلون عنه، ويجادلون فيه، فقرب وباعد، وواصل وقاطع، ولكن مخالفيه كانوا من الكثرة بحيث أرهقوه وضايقوه، حتى جاءه الاجل فلم ينهض لتشييع جنازته أحد، وعلل ذلك بما ترك من حزازات أدبية " (2).
ويحكي أبو عبيدة سبب تأليفه كتاب " مجاز القرآن " فيقول:
" أرسل إلي الفضل بن الربيع والي البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومائة، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت عليه، وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسي، وهو جالس عليها، فسلمت عليه بالوزارة، فرد وضحك إلي، واستدناني حتى جلست إليه على فرشة، ثم سألني وألطفني وباسطني، وقال: أنشدني، فأنشدته فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زي الكتاب له هيئة، فأجله إلى جانبي، وقال له: أتعرف هذا؟
قال: لا، قال: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة! أقدمناه لنستفيد من علمه، وقرظه لفعله هذا، وقال لي: إني كنت إليك مشتاقا، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟
فقلت: هات، قال: قال الله عز وجل: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) (الصافات: 65)، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس: (الطويل) أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم، أو عدوا به فاستحسن الفضل ذلك، واستحسن السائل، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج إليه من علمه، فلما رجعت إلى البصرة، عملت كتابي الذي سميته