صبرا، وذلك: أن سعيد بن جبير خرج على الخليفة مع ابن الأشعث، فلما قتل ابن الأشعث وانهزم، أصحابه من دير الجماجم هرب سعيد، فلحق بمكة، وكان واليها خالد بن عبد الله القسري، فأخذه وبعث به إلى الحجاج، فقال له الحجاج: ما اسمك؟ قال:
سعيد بن جبير.
قال: بل أنت شقي بن كسير، قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
قال: شقيت أنت وشقيت أمك، قال: الغيب يعلمه غيرك.
قال: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها.
قال: فما قولك في محمد؟ قال: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
قال: فما قولك في علي؟ أهو في الجنة أو هو في النار؟ قال: لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل.
قال: فأيهم أعجب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقهم.
قال: وأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم.
قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين، والطين تأكله النار؟!
قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت، فجمعه بين يديه، فقال سعيد:
إن كنت جمعت هذا لتتقي به من فزع يوم القيامة، فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شئ جمع للدنيا إلا ما طلب وزكا، ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب العود، ونفخ بالناي بكى سعيد.
فقال: ما يبكيك هو اللعب؟
قال سعيد: هو الحزن: أما النفخ، فذكرني يوما عظيما، يوم النفخ في الصور، وأما هذه رواية المحاجة بين سعيد و الحجاج، أما نحن فننزه سعيدا عن هذه الرد، و نجزم بكون علي من أهل الجنة.