تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٧
* الريح تبكي شجوه * والبرق يلمع في غمامه * وقال جرير:
* فالشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا * وقال النابغة:
* بكى حادث الجولان من فقد ربه * وحوران منه خاشع متضائل * وقال جرير:
* لما أتى الزهو تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع * ويقول في التحقير: مات فلان، فما خشعت الجبال. ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة، عبارة عن تأثر الناس له، أو عن عدمه. وقيل: هو على حذف مضاف، أي: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض، وهم المؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين. روي ذلك عن الحسن. وما روي عن علي، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير: إن المؤمن إذا مات، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحا، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله. قالوا: فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل. * (وما كانوا منظرين) *: أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم، بل عجل الله لهم ذلك في الدنيا.
* (ولقد نجينا بنى إسراءيل من العذاب المهين * من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين * ولقد اخترناهم على علم على العالمين * وءاتيناهم من الايات ما فيه بلؤ ا مبين * إن هؤلاء ليقولون * إن هى إلا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين * فأتوا بئابائنا إن كنتم صادقين * أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين * وما خلقنا * السماوات والارض * وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولاكن أكثرهم لا يعلمون * إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين * يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم * إن شجرة الزقوم * الاثيم * كالمهل يغلى فى البطون * كغلى الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هاذا ما كنتم به تمترون * إن المتقين فى مقام أمين * فى جنات وعيون * يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين * كذلك وزوجناهم بحور عين * يدعون فيها بكل فاكهة ءامنين * لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ووقاهم عذاب الجحيم * فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم * فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون * فارتقب إنهم مرتقبون) *.
لما ذكر تعالى إهلاك فرعون وقومه، ذكر إحسانه لبني إسرائيل؛ فبدأ بدفع الضرر عنهم، وهو نجاتهم مما كانوا فيه من العذاب. ثم ذكر اتصال النفع لهم، من اختيارهم على العالمين، وإيتائهم الآيات والعذاب المهين: قتل أبنائهم، واستخدامهم في الأعمال الشاقة. وقرأ عبد الله: * (من العذاب المهين) *: وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كبقلة
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»