إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون * ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلى عباد الله * إنى لكم رسول أمين * وأن لا تعلوا على الله إنى * بسلطان مبين * وإنى * وإنى عذت بربى وربكم أن ترجمون * وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون * فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون * فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون * واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون * كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما ءاخرين * فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين) *.
هذه السورة مكية، قيل: إلا قوله: * (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) *. ومناسبة هذه السورة أنه ذكر في أواخر ما قبلها: * (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون) *، فذكر يوما غير معين، ولا موصوفا. فبين في أوائل هذه السورة ذلك اليوم، بوصف وصفه فقال: * (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) *، وأن العذاب يأتيهم من قبلك، ويحل بهم من الجدب والقحط، ويكون العذاب في الدنيا، وإن كان العذاب في الآخرة، فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة. والظاهر أن الكتاب المبين هو القرآن، أقسم به تعالى. ويكون الضمير في أنزلناه عائدا عليه. قيل: ويجوز أن يراد به الكتب الإلهية المنزلة، وأن يراد به اللوح المحفوظ، وجواب القسم. وقال الزمخشري وغيره: قوله: * (إنا أنزلناه) *، على أن الكتاب هو القرآن، ويكون قد عظمه تعالى بالإقسام به. وقال ابن عطية: لا يحسن وقوع القسم عليه، أي على إنا أنزلناه، وهو اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب، ويكون الذي وقع عليه القسم * (إنا كنا منذرين) *. انتهى. قال قتادة، وابن زيد، والحسن: الليلة المباركة: ليلة القدر. وقالوا: كتب الله كلها إنما نزلت في رمضان؛ التوراة في أوله، والإنجيل في وسطه، والزبور في نحو ذلك، والقرآن في آخره، في ليلة القدر؛ ويعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر. وقيل: أنزل جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور، ومن هناك كان جبريل يتلقاه. وقال عكرمة وغيره: هي ليلة النصف من شعبان، وقد أوردوا فيها أحاديث. وقال الحافظ أبو بكر بن العربي: لا يصح فيها شيء، ولا في نسخ الآجال فيها.
إنا كنا منذرين: أي مخوفين. قال الزمخشري: فإن قلت: * (إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم) *، ما موقع هاتين الجملتين؟ قلت: هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى: * (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة) *، كأنه قيل: أنزلناه، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب. وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم، والمباركة: الكثيرة الخير، لما ينتج الله فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده، لكفى به بركة. انتهى. وقرأ الحسن، والأعرج، والأعمش: يفرق، بفتح الياء وضم الراء، كل: بالنصب، أي يفرق الله. وقرأ زيد بن علي، فيما ذكر الزمخشري: نفرق بالنون، كل بالنصب؛ وفيما ذكر أبو علي الأهوازي: عينه بفتح الياء وكسر الراء، ونصب كل، ورفع حكيم، على أنه الفاعل بيفرق. وقرأ الحسن: وزائدة عن الأعمش بالتشديد مبنيا للمفعول، أو معنى يفرق: يفصل من غيره ويلخص. ووصف أمر بحكيم، أي أمر ذي حكمة؛ وقد أبهم تعالى هذا الأمر.
وقال ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد: في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والأرزاق والآجال وغير ذلك، ويكتب ذلك إلى مثلها من العام المقبل. وقال هلال بن أساف: كان يقال: انتظر والقضاء في رمضان. وقال عكرمة: لفضل الملائكة في ليلة النصف من شعبان. وجوزوا في أمرا أن يكون مفعولا به بمنذرين لقوله: * (لينذر بأسا شديدا) *. أو على الاختصاص، جعل كل أمر حكيم جزلا فخما، بأن وصفه بالحكيم، ثم زاده جزالة